19 November, 2025

عَذْرَاءُ الْعَرَب – بقلم هاجر الجبلي

تَقِفُ أَحْرُفُ اللُّغَةِ الثَّمَانِيَةُ والعشرونَ أَمَامَ عَيْنَيَّ وَهِي تَجهشُ بِالبُكَاءِ، أريد أَن أَكتَبَ عَنْهَا؛ وَلَكِنْ لَا يَسْتَطِيعُ قَلَمي أَنْ يَكْتُبَ حَرْفًا وَاحِدًا، عَزِيزَتي صَاحِبَةَ الشَّعْرِ الْأسْوَدِ كَحِيلَةَ الْأَعْيُنِ حَسْنَاءَ الْوَجْهِ عَفِيفَةَ الجَسَدِ جَنَّةَ الدُّنْيَا:

كَيْفَ حَالُكَ، كَيْفَ حَالُ زَيْتونِكِ الْأَخْضَر؟ 

كَيْفَ حَالُ وديانِكِ الْخَضْرَاء؟ 

كَيْفَ حَالُ أَنْهَارِكِ الْعَذْبَة؟ 

كَيْفَ حَالُ صِغَارِكِ وَشَبَابِكِ وَكُهُولِكِ؟

كَيْفَ حَالُكِ يَا فِلَسْطِينُ؟

أعْلَمُ أَنَّ الدُّنْيَا أَظْلَمَت فِي وَجْهِكِ مُنْذُ أَنْ بَاعَوكِ، ومُنْذُ ذَلِكَ الْحَيْنِ لَمْ يُشْرِقْ لَكِ صَبَاحٌ!

الْحَالُ أَصْبَحَ مِنَ المُحالِ، صِغَارُكِ لَمْ يَرَوا الدُّنْيَا بَعْدُ، شَبَابُكِ اسْتُشْهِدُوا، كُهُولُكِ ماتوا مِنْ كَثْرَةِ الْغَمِّ.

غَزَّةُ تِلْكَ الْجَمِيلَةُ الَّتِي أَرْهَقَتهَا الْحَرْبُ وَدَمَّرَت مَلَاَمِحَها، فَتَحَوَّلَ بِهَا الْحَالُ مِنْ جَنَّةِ الْأَرَضِ إِلَى جَحِيمِ الْأَرَض.

فلسطينُ؛ جَنَّةَ الدُّنْيَا: أَيْنَ أَنَا مِنْكِ وَأَيْنَ أَنْتِ مَنِّي؟ بِعِيدَانِ حَدَّ الْبُعْدِ كلَانَا يهرُبُ مِنْ أَقْدَارِهِ وَنَقعُ فِيهَا، أَنَا هُنَا حَزِينٌ عَلَيْكِ، وَأَنْتِ هُنَاكَ تَغْمُرُكِ صَوَارِيخُ الْعَدُوِّ، حَزِينٌ لَكِنَّنِي لَسْتُ أَهَلًا لِأَن آتِيكِ؛ فَأَنَا جَبَانٌ، وَمِثْلِي مِلْيَارَاتُ الْجبنَاءِ مِنَ الْعَرَب، لَا تصرخي! فَنَحْنُ هُنَا مُجَرَّدُ غُثَاءٍ، رُؤُوسٌ سَاكِنَةٌ فِي مَكَانِهَا مُنْتَظَرَةً دَوْرَهَا مِنَ الْحِصَاد.

لطَالما كُنَّا نَحْنُ الْعُرْب أَقْوَى الشُّعُوبِ؛ وَلَكِنَّ حُكَّامَنَا أَوهُنُ الْحُكَّام، يَنْظُرُونَ إِلَى كُلِّ هَذَا الدَّمَارِ اِسْتَبَاحَ الْمُنَازِلَ والنَّاسَ، وَبَعْدَ كُلِّ هَذَا لَمْ يُحَرِّكُوا جَفْنًا، لِطَالِمَا كانت الْقُوَّةُ فِي الاتحادِ وَالْإيمَانِ، فَنَحْنُ نَمْتَلِكُ الْإيمَانَ وَلَكِنْ لَا نَمْتَلِكُ الاتحاد، وَشَتَّانَ بَيْنَ التَّفَرقَةِ والاتحاد.

اِسْمُكِ يَحْمِلُ تَارِيخًا عَرِيقًا مِنَ النِّضَالِ، وَيذكِّرُنِي كَثِيرًا بِاسْتِمْرَارِيَّةِ الحَيَاةِ رَغمَ هَذَا الْخَرَابِ الْهَائِلِ، لِطَالِمَا كَانَ صِراعُكِ صِرَاعَ وُجُودي لَا حُدودِي، فَشَجرُ الزَّيْتونِ الْأَخْضَر وَأُمَّهَاتُ الْأَطْفَالِ يَنْتَظِرُونَ حُرِّيَّةَ الْوَطَنِ قَبْلَ حُرِّيَّتِهمْ فَالْأَرَضُ لَا تَقبلُ بِذرتَيْنِ؛ إمَّا نَحْنُ أَوْ نَحْنُ!

يَا غَزَّةُ!

يَا أَيَّتُها الطِّفْلَةُ المُدلَّلةُ يَا جَمِيلَتي مَحْرُوقَةَ الْأَصَابِعِ، يَا مَدِينَةَ الْعَزَاءِ، يَا وَاحَةً مَرَّ بِهَا خَيْرُ الْبَشَرِ، حِجارُكِ طَالَ بِهَا الحزنُ وَكَثُرَت همومُها. ‏

فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ؛ فِلَسْطِينُ لَيْسَتْ فِي الْقَلْبِ وَلَا فِي الْعَقْلِ، بَلْ هِي قِبلَةُ الرُّوْحِ وَقِبلَةُ الْعِبَادِ، أَنتِ بَيْنَ الحَدَقِ وَالعَيْنِ أنْتِ السَّمَاءُ لَنَا.

إِلَيْكَ أيُّها القَارِئُ؛ وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ مَعْرَكَةٍ فِي التَّارِيخِ بَيْنَ الحَقِّ وَالْبَاطِلِ: سَيَنْتَصِرُ الحَقُّ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، هَذَا وَعْدُ الرَّبِّ؛ وَالرَّبُّ لَا يُخَلفُ الْوُعُود.

رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12795

 

Font Resize