10 December, 2024

ورد الحسيني – بقلم يحي زروقي

بالقرب من خيمتها، مسكنها الجديد، منفاها…. تجلس ورد تتأبط دميتها المتربة وهي آخر ما حملته معها. تركوا كل شيء لينفدوا بجلدهم. وهل بقي لهم جلد؟ سحناتهم البيضاء الجميلة أضحت رمادية،أو قل سوداء مفحمة كأنها كانت في فرن تقليدي، ونجت من الحريق بأعجوبة.

اقتربت صحافية في عقدها الثاني من قناة… مبتسمة،ورائحة عطر فرنسي يفوح منها،غايتها أن تطرح على ورد بضعة أسئلة نمطية،لكنها لم تنبس ببنت شفة،أو بالأحرى لم ترد أن تبوح بوجعها الذي ورثته عن أمها وجدتها… ولأنها إن تحدثت ستنهار الصحافية في الحال.تحولت ورد بوجهها نحو جبل الجرمق المكسو بالثلوج، فانعكس بياضه على بؤبؤ مقلتيها البراقتين مثل ذئب شرس..

حاولت الصحافية أن تستميل ورد بأن تحدثها عن اللعب،وعن الطفولة،وعن دميتها التي لم يبق منها سوى العينين،إلا أن ورد تجاهلتها.كانت هناك تسمع صوت البنادق،وصيحات المنكوبين .فجأة نهضت ورد،واتجهت نحو الأنقاض،تحفر بيديها الرقيقتين غير آبهة بالدم الذي ينزف،ثم تتوقف،وتنتقل إلى مكان آخر،وتشير إلى شاب بجمعية الإغاثة ليدنوَ منها،ويساعدها على نبش الركام..

التحق بهما شباب آخرون.كانت الصحافية تنظر إليهم وتصور كل شيء،فجأة نظرت إليها ورد،ففهمت الصحافية الرسالة،والتحقت بهم،وكسرت آلة التصوير،ونزعت عنها زي الندالةوالغواية و السبق الصحفي المفبرك… صاح فيها الإنسان،وقال:”حي على خربة الطرم. بني سهيلا. يطا. برة قيسارية ، الجلمة . بيت جالا. طبريا، حلحول، كبارة، حيفا، بلد الشيخ، بيسان، عمواس، ياجور، روابي،بئر السبع… حي على الشهادة”. .. أخيرا ابتسمت لها ورد.على حين غرة انفجرت عبوة ناسفة،فأصيبت بعدة شظايا،وأومأت إلى الصحافية لتقترب ،ومدت إليها دميتها،وقالت لها:”اعذريني ؛لأنني لم أتحدث معك في البداية ظننتك مجرد صحافية تتقاضى أجرة… الآن عرفت،بل تيقنت أن بداخلك يقطن إنسان فلسطيني”،ثم ابتسمت لها،و استسلمت ورد لنومة طويلة.

Font Resize