19 April, 2024

“حراس الجبل” من السويد إلى بيتا.. قصة لأطفال فلسطين عن الحجر والمقلاع في مواجهة سرقة الأرض

صرخ أحد الملثمين عاليا وكأنه يعرفه لكن عمار لم يلتفت ولم يتحرك وكأنه ليس معنيا بهذا الاسم. ثم ركض هذا الملثم باتجاه عمار وحمله قبل أن يصل الجنود إليه وركض به باتجاه القرية. عندما وصلوا إلى مكان آمن قال الملثم ماذا كنت تفعل هناك أجننت؟ لم يتكلم عمار بكلمة واحدة بل حضن الملثم وبعد دقيقتين، أنت ما الذي تفعله هنا ظننتك في المسجد، قال عمار خاشعا”.

هذا النص جزء من قصة قدّمها الكاتب أحمد حوراني للأطفال وثق خلالها قصة حراس جبل صبيح في قرية بيتا شمال الضفة الغربية، المستمرين منذ مايو/أيار 2021 في مقاومتهم الشعبية التي بدأت بعد محاولة مجموعة من المستوطنين إقامة بؤرة استيطانية “أفيتار” على الجبل، ابتدع خلالها أهالي القرية فعاليات مقاومة وفعاليات إرباك ليلي أجبرت المستوطنين على إخلاء المستوطنة.

القصة، التي لخصت هذه التجربة الاستثنائية من المقاومة الشعبية في فلسطين بلغة بسيطة وأحداث واقعية للأطفال، تتناول حكاية الطفل “عمار” القادم من أميركا لزيارة عائلته في بيتا ويبدأ بالتعرف على ما يجري في القرية خلال مرافقته لأبناء عمه “محمد” و”مها” اللذين اعتادا رغم صغرهما، المشاركة في فعاليات الجبل كما كل أطفال القرية.

وبشكل تدريجي ينخرط عمار بالفعل المقاوم ويبدأ تشكيل وعيه الوطني من خلال فهم ما يجري ومشاركته من خلال عمل مقاوم سري مع “محمد” و”مها” بأدوات بسيطة مثل تطيير بالون ودحرجة صخرة كبيرة لعرقلة تقدم سيارات جيش الاحتلال والتدريب على استخدام المقلاع.

القصة تحاكي واقع ما يجري في القرية بالتفاصيل وهو ما يجعل القارئ يعتقد بأن كاتبها هو أحد أبناء القرية، ولكن في الواقع فإن الكاتب لم يكن يوما في فلسطين وهو اللاجئ الذي ولد في مخيم اليرموك بالعاصمة السورية دمشق، والمقيم حاليا في السويد.

أطفال بيتا و”قدرات خارقة”

الحوراني (38 عاما)، متابع لكل الفعاليات التي تنظم في بيتا، من خلال ما ينشره أصدقاء افتراضيون له عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهو ما جعل قصته تطابق الواقع بشكل كبير، يقول “بعد نشر القصة وقراءتها من بعض أبناء القرية، سألت أين أسكن في القرية عند زيارتي”.

القصة التي تقع في 74 صفحة من القطع الصغيرة، تضمنت صورا حرص الحوراني خلال تصميمها على أن تحاكي البيئة الحقيقية في القرية من خلال استلهامها من صور حقيقية تعكس البيئة الريفية للقرية وتتضمن بعض معالمها.

ولماذا أاختار أن تكون قصته للأطفال؟ يجيب الحوراني خلال حديثه “للجزيرة نت”، إن بداية تفكيره بكتابة القصة عندما كان يبحث عن قصة واقعية يقرؤها لطفله “سراج” تربطه بفلسطين ولم يجد. واستعاض عنها بقراءة قصة “كيف تصبح بطلا خارقا؟”، وهي سلسلة عالمية عن أطفال بقدرات خارقة. ومع متابعته لأحداث بيتا بدأ بالتفكير أن الفلسطينيين لديهم النماذج الحقيقية لأبطال خارقين، “فلماذا لا يتم الكتابة عنهم؟”.

ويربط الكاتب بشكل ذكي بين أحداث بيتا وما يجري في القدس المحتلة من خلال زيارة عمار للمدينة وحوار بينه وبين والديه، ينتهي بالتأكيد وتذكير الأطفال بأن المستوطنين طارئون على هذه البلاد، حين يتحدّاهم (عمّار) بالفوز في مسابقة إن كان جدّ أحدهم وُلد في القدس، ولم يأت إليها من دول أخرى.

وبالنسبة للحوراني، وهو الذي يعمل في مجال الكتابة البحثية، كتابة القصة أسهل مرحلة. ولكن الصعوبة كان في النشر، وهو الذي تواصل مع أكثر من 30 دار نشر ولم يحصل إلا على 3 ردود رفض، مما اضطره إلى نشرها بشكل مجاني على موقع النور، ويسعى حاليا لترجمتها للغة السويدية والإنجليزية.

ويعتقد الحوراني أن محتوى القصة -من مضامين وطنية ومقاومة- هو ما جعل دور النشر تحجم عن نشرها.

مشاهد واقعية متكررة
ولكن ما هوّن على الحوراني صعوبة النشر هو ردود الفعل التي أثنت على القصة من قبل أبناء القرية أنفسهم، كثير منهم تواصلوا معه وشكروه على هذا العمل الذي وثق تجربة القرية.

الصحفي مجاهد مفلح، وهو ابن القرية ومتابع لجميع الفعاليات فيها، قال للجزيرة نت “الأحداث في القصة مشابهة جدا للأحداث في الميدان في بيتا، فهي ليست قصّة من الخيال بحيث تحاول شخصياتها تحقيق الخوارق والمستحيلات، إنما أحداث ومشاهد حيّة مستوحاة مما يدور على الجبل”.

وبحسب مفلح فإن القصة تتضمن تفاصيل يعيشها الأطفال حاليا، من إضفاء طابع السرية على مخططات الأطفال لصناعة المقاليع، وابتزاز الأقران لبعضهم للسماح بالاشتراك في الفعاليات مقابل عدم إخبار الأهل، والتنافس، ومحاولات لا تنتهي للتحايل على الأهل للخروج إلى الجبل، وقلق الأمهات وخوفهن، “كلها مشاهد واقعية تحدث كل يوم”.

هذه التجربة لرواية الأحداث وتوثيقها، كما يقول مفلح، يجب أن يبنى عليها، من خلال عمل ممنهج يشجّع إنتاج أعمال متعلقة بالأطفال، تركّز على “كيف نحكي لهم عن قضية فلسطين”، في ظل تغييب ممنهج، ومحاربة الرواية والحق الفلسطيني.

المصدر : الجزيرة
الرابط المختصر|| https://palfcul.org/?p=3928
Font Resize