20 April, 2024

مصطفى الولي… حين يكون الكاتب الفلسطيني ناقداً وروائياً

نبيل السهلي 

تنوعت طاقات الشعب الفلسطيني ونتاجاته التي تشكل في مجملها الهوية الوطنية الفلسطينية، ولم تمنع مأساة اللجوء الفلسطيني من استمرار مساهمة اللاجئين الفلسطينيين في ترسيخ هويتهم وتجذرها في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لطمسها وتغييبها لفرض الرواية الصهيونية حول احتلال فلسطين، وفي هذا السياق نستحضر سيرة ومسيرة كاتب نفض غبار النكبة وكافح على عدة جبهات لتكون الهوية والوطن الحاضر الأكبر في حله وترحاله القسري؛ إنه الكاتب والناقد الأدبي مصطفى الولي.

السيرة والمسار

مصطفى الولي كاتب فلسطيني سوري. ولد في عام 1948 في قرية بلد الشيخ في قضاء مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني .
انتقل مع أسرته إلى سوريا بعد النكبة الكبرى وسقوط قريته بلد الشيخ في الرابع والعشرين من نيسان /إبريل من عام 1948.
وبقي هناك حتى العام 2015 حين اضطر لمغادرة سوريا إلى ألمانيا جراء التهديد والأخطار التي نشأت بعد العام 2011. يكتب في الفكر السياسي والنقد الأدبي. وله مجموعتان قصصيتان. وله عدد من المؤلفات. ونشر العديد من الدراسات والمقالات في الدوريات والصحف العربية الصادرة في بيروت ولندن والخليج العربي.
الكتب المنشورة: تكامل الشخصية واختزالها؛ دراسة في رسائل غسان وبعض أعماله. الغائب المنشود “الفلسطيني في روايات جبرا ابراهيم جبرا” “أمن إسرائيل” “الجوهر والإبعاد”. “خيوط السراب من الكتاب الأبيض حتى مبادرة بوش الابن 20001.” خارج السرب؛ إلياس مرقص وياسين الحافظ وفلسطين. بوح في المتاح. حوار مع د. الياس شوفاني، بالاشتراك مع عبده الأسدي. مربعات وشظايا، مجموعة قصصية. الأحصنة وجسر الصمت، مجموعة قصصية. شرك الدم؛ الطنطورة معركة ومجزرة.

الوطن والهوية في رواية

على مدار أكثر من عشرين حلقة روائية نشرها الكاتب والناقد الأدبي مصطفى الولي في موقع الجرمق للدراسات ، استطاع خلالها استحضار الوطن والهوية وتداعيات النكبة وتكوين شخصيته الدالة على أقرانه من اللاجئين الفلسطينيين الذين دفعتهم المجازر الصهيونية للاستقرار في سوريا.
وفي قراءة بسيطة وشغوفة لرواياته ، نراه أنه استطاع العودة الى الوطن من خلال استحضار سيرة جده عبد الله ووالده عبد الواحد الابن الوحيد والمدلل لجده، فتحدث عن الأرض والعمل فيها وكيفية استثمارها وكفاحهما المعروف لدى أهل القرية، وبينهم والدي محمود صالح السهلي رحمه الله ، إلا أن المجازر والنكبة أدت إلى طرد عائلة الولي باتجاه دمشق والاستئجار في منطقة ساروجا المغرية للمتسوقين بدايةً، لتبدأ رحلة الكد والعمل لوالد الكاتب والناقد الأدبي مصطفى الولي بعد الاستئجار في منطقة المزة غرب العاصمة دمشق، وقد سرد ذلك بلغة أدبية راقية تجعل القارئ يلاحق التالي من القصص خاصة وأنها تلامس روحك كلاجئ فلسطيني وتتعدى المشاعر ذلك عندما يكون مسقط رأس والديك في قرية منشأ الكاتب والناقد الولي نفسها، وأقصد هنا قرية بلد الشيخ في قضاء حيفا.
كبرت أحلام الولي ليجول بين المدرسة والسينما ومتابعة الصحف في حنايا دمشق وحواريها، ويدخل بعد ذلك المعترك السياسي الفلسطيني مبكراً من خلال منعطفاته المختلفة. ونستحضر شيئا من رواية الولي المنشورة في مركز الجرمق للدراسات حول طفولته “في مرحلة سبقت ذهابي إلى مدرسة بلد الشيخ في المزة، عشقت السباحة طفلا، فروع كثيرة من نهر بردى تخترق أراضي وبساتين القرية، أشهرها فرع “الديراني” وفيه نزلت الماء أول مرة، كنت أتسلل من البيت دون انتباه من أمي وجدي، (فأبي دائما في عمله بتفتيت الصخر في جبال المعضمية، عدا يوم الجمعة، عطلته الأسبوعية) ومرات قبل أن أنزل الماء أسمع نداء جدي: “إطلع ياعكروت إسا بتوخدك المي تحت حجار الطاحون” ويلوح بقضيب يحمله بيده الوحيدة، وهي اليسرى، فاليد اليمنى، شقيقة اليسرى، طوحت بها قذيفة إنكليزية في حرب “السفر برلك”

الوعي الوطني

وقد كان لوالد ووالدة الولي دور في تشكيل الوعي الوطني لديه حيث أشار في رواياته: “أول بأول بدأت أعرف هويتي المفقودة، (أنت فلسطيني) لم أرد الجواب على بائع الخبز الإفرنجي (الصمون) وكم كنت أشتهيه لشكله ورائحته ومذاقه، والفرنك، خرجيتي، عندما استلم خرجية من أبي، غالبا ما أنفقها للفوز برغيف الصمون؛ سألت أمي بعد وصولي إلى البيت: (يما شو يعني فلسطيني) فبدأت سرديتها من ذلك التاريخ1954 حتى لحظة رحيلها في سنة 2014، وكأنها كانت تقاوم الموت لتكمل روايتها، وعلى كل حال كان سردها متجددا، لم يتوقف عند تراجيديا أيام مغادرة البلدة في فلسطين، ففي كل حدث تعيد تأسيس مقطع كبير، أو صغير، يتصل بمطلع الرواية الفلسطينية كما عاشتها، وكما تشكلت أحداثها في وعيها. ولقد تعلمت من سردها وحكاياتها، خريطة حيفا وأحيائها، والطريق اليها من بلد الشيخ باتجاه الشمال الغربي، مسافة أربعة كيلومترات. وعندما قرأت أول رواية لإميل حبيبي (سداسية الأيام الستة… سعيد أبي النحس المتشائل) بعد ما يقرب عقدين تقريبا، تخيلت أنني أعرف المكان الذي بنى فيه حبيبي أكثر أحداث عالمه الروائي، هو لي وليس للرواية وكاتبها، فما سمعته من حكايات بصوت أمي، وضعني في قلب تلك الأمكنة، أقله أنني لم أكن في حاجة للسؤال: ماهي علاقة “حواسة” مع بلد الشيخ ، وموقع مصفاة النفط منها، وجسر شركة “شل” الهولندية من أراضي بلدتنا، أين يقع وادي النسناس، أو كيف نصل إلى شارع الكنائس، ولا كم يبعد عن ساحة الجرينة، وكيف نصل إلى مستشفى حمزة، أشهر المشافي في حيفا حينذاك، أو عن الطريق إلى جامع الاستقلال”.
ويعتبر ذلك بمثابة نقطة بداية وانطلاق لتفتح الوعي عند الولي ليكون مكافحاً لاسترجاع وطنه السليب على عدة جبهات وفي مقدمتها الكتابة السياسية والنقد الأدبي والرواية التي نشرت على حلقات، التي نتمنى أن تكون بين دفتي كتاب لأنها جزء من الرواية الفلسطينية حول النكبة واللجوء المستمر.

المصدر: القدس العربي 

رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=6356

Font Resize