ضحك الرجل بسخرية قوانا نسيناها معلقة على جدار الخيمة.. اللعنة ظلت تطاردني إلى أن أعادتني إلى خيمة حكايات جدي، ولكنها اهترأت كما قصصه.
رمى جسده على رصيف المحطة
نضال الخليل
رمى جسده على رصيف المحطة لأنه متعب من حمله… تأمل المكان بعينين مبتلتين من ماء القهر وماء الهجرة …
قال لنفسه: إلى أين …؟؟ من حكايات جدك وما تبقى من رحيق الكلمات لوالدك إلى هذه الجسد الذي تحمل، إنها لعنة النزوح؟
أرخى رأسه إلى جدار محاولا الخروج من خرافية المشهد عاد به الحلم إلى رائحة الزعتر المشوي على مدفأة بيتهم في المخيم.
إنني جائع.
قال هذه الكلمات ولم يعرف لمن هو جائع للبيت.. للرغيف.. لدفء بيته…
ارتطم بصوت أطفاله الغاضبين من قسوة المكان والرحلة..
هو: ماذا؟!
الأطفال بصوت جوقة:
أعدنا الى زقاق اللعب.. رائحة التعرق في المدرسة.. أسمائنا.. ألوان الخشب لدفتر الرسم.
أعد لنا صوتك الضاحك من الحياة؟؟
هو: لا أملك إلى الطريق وبقايا زوايا لمقعد بالحافلة لعبوركم الحياة من وسخ ما حدث هناك.
هناك هو الدلالة للزمن والمكان معا، هناك في المخيم تحول كل شيء إلى حبل مشنقة…
هناك والآن هنا…
نظرت زوجته إلى قدميها، قالت للمرأة المجاورة: أتعلمين قدماي ستقدمان ضدي شكوى في محكمة لاهاي… استهلكتهما بطرق غير شرعية (ضاحكة) تحولنا إلى رواة وفلاسفة من الرفقة للطريق.
المرأة المجاورة للزوجة: الطريق أو السؤال عن باب أو نافذة تخرج بنا من كابوس الموت..
يقترب الرجل باتجاه زوجته حاملاً بيده ما تبقى من أغراض وطعام.. معلبات النزوح هكذا أطلق اسم طعامهم في رحلة البحث عن جهة لا موت فيها ولا قمع..
الرجل: يا فاطمة إنني أنتظر قدوم أبي جهاد … كل ما تبقى من ذاكرتي للعائلة.
تنظر المرأة الى شفاه زوجها، ولكنها لا تسمع ما يقول تكتفي بتأمل تعب عينيه لم ينم منذ أكثرَ من يومين، للمرة الأول ترى تآكل وجه الزوج…
سحب الطريق للنزوح كل ما تبقى منا وتحولنا إلى عقارب انتظار
أبو جهاد الأقرب لنا في هذه المدينة وهو من سيسحل ظلالنا لبيته ورائحة زوجته الأقرب الى رائحة الزيتون.
المكان يرفع قبعته الضوء ويطلق صفارة قطاره انتهت الرحلة.
جاء أبو جهاد وخرج الجميع من لهاثهم الى ظل أبي جهاد مختبئين من كل الحكايات خلف لهفة
واشتياق الرجل لهم…
الرجل المضيف كنس وسخ النزوح وصافح بيده كل الأكف من العائلة المنتظرة مكاناً ما لتغفو.
من خوف ما حدث
انطلقت السيارة باتجاه مكان بالقرب من أنقرة..
تنفس الجمع ليركلوا غبار المسافة …
الوجوه متعبة والأجساد متهالكة من المسافة والذاكرة.
استدرك أبو جهاد المشهد قال: في غد سنكمل عليكم النوم لتستعيدوا قواكم…
ضحك الرجل بسخرية، قوانا نسيناها معلقة على جدار الخيمة… اللعنة ظلت تطاردني إلى أن أعادتني إلى خيمة حكايات جدي، ولكنها اهترأت كما قصصه.
من ظلم الرصاص وخوف السجن وخرافة الدم تسللنا الى حافلة الحلم للسفر…
قلت في بلاد البحر هناك سيكون لأطفالنا نصيب من الحياة والعلم… لكنّ المسافة الفاصلة بين دمشق وإدلب أكثرت من زمنها وكأننا نطوي الأرض تحت أقدامنا الحافية ….
والأكثر سفالة من المسافة والزمن وجوه باعة الطريق والمهربين استطاعوا تحويلَنا نحن وأكثر من عائلة الى جرذان تصعد جدران الحدود بحثا عن مكان للتنفس خارج مجرور المكان …
نعم تحولت المدينة الى مجرور يختلط بالعفن والتبرز والخراب …
خذ بنا إلى أول البحر واربطنا بمركب يكسر الملح على موج الحلم.
أقفل أبو جهاد خرافة المشهد ببضع كلمات لم يذكر تركيبها، ولكنه تركها على جلد المطاط في ثقب الرحيل وطوى البحر خلفهم وعاد ليكمل إغلاق النوافذ المطلة على مدينته.




