يدُ الشّهيدْ – بقلم نائلة ذيب مشاركة ضمن موسوعة “غزة كفاح وجراح”
نَسيتُ حقائبَ أصابِعي في العراءْ
والرّيح تشقُّ رأسَ طيري
وتَصْعقُ كُلي فأمْضي لِنَعْشي حَزيناً
أعدُّ هَلْوساتي بِلا اسْتثناء
الحُزنُ .. الوَحْدةُ.. الفقرُ.. الغَضبْ..
أنا بعْضُ الحُبِّ .. وهذي الحرْب
أعودُ كطفلٍ نهشَ فراشَهُ وحشٌ خشبيٌّ
خبرٌ عاجلٌ
كيف لوحش أن يحملَ خبزًا شَهيّا وتنمو في كفيه سنابل
يخبز وعداً يطارد فيَّ رائحةَ وطنٍ وضجيجَ قنابلْ
إن الشهيدَ فتيلةُ شَمْسٍ لليلٍ مسافِرْ
رأيتُ فوقَ ثيابي دِماءً تشوِّهُ وجْهي
تمحو تاريخي تبتر قدمي فتصيرُ خطاي ثقيلةً
رأيْتُ وَجْهَ أمّي
يَضْحَكُ.. يَبْكي
يُصَلّي حَزينًا
بصوتِ مزاميرٍ ورنةِ أساوِرْ
تَسْكُبُ أمّي بِقَلْبي دمعًا شهِيًّا
تَصبُّ الصّبرَ بإبريقِ ثلْجٍ
لتهْزمَ وَجَعي
وتُرَتِّقَ موْتي
فأظلُّ نديًّا كغيمٍ مهاجرْ
تركتُ الحقائبَ
لملمتُ أصابِعي التي صَارت قشًّا
يشبه عراءَ مخيَّمِنا المصقولِ بقماشِ الخيباتْ
المجبولِ بدمعِ عروسِ فجر
فجّرَذاكَ الوغد الوعدَ
إذ أقسم بانّ بدلتَهُ الحربيةَ
ستغسلها بعطرِ فرحتها الأولى
فحملَ النورسُ ذاكَ الوعد وهاجَرْ
مِنْ مَنْفى إلى مَنْفى
ومخيمنا قائمٌ
منذ اغتيلَ ذاكَ الطِّفلُ السّاكنُ في محرابِ إبْراهيم
حينَ فَداهُ أبوهُ بكبشٍ عَظيم
فكانَ للساسةِ رأي آخرْ
إخوةُ يوسف إخوةُ إبراهيم
إخوةُ هاروت وماروت .. طودٌ .. يمٌّ .. جُبٌّ
والماءُ كيفَ صارَ أحمرًا يا هاجرْ
إخوة يوسف غزة يافا حيفا رام الله
ووطني كبرتقال حائرْ
حاكِمٌ جائرْ
وطفلٌ خائفٌ يرضعُ من ثديٍ مصلوبْ
يأكل من خبزه يعقوبْ
في بلدٍ تتقيّأ من تُخمَتِها رصاصًا حافلْ
إبريق أمّي لازالَ هناك
لازال الإبريق يصبُّ دماءً
قالتْ أمي بأن الكفن ثوب زنابِق
وأنّ شاهِدَ قَبري إكليلٌ من حَبقٍ وَرُفاةِ بنادِقْ
أمّي لاتكذِبُ أبَدًا
قالتْ بأنَّ المهْدي ظَهرْ
وأنّ الغزاةَ شِرذمةٌ مِنْ تترْ
وحَنَتْ ظهرَها وهي تطرّزُ كُوفيّةً
تهدِّبُها وتهذِّبُها وتقول :
سَأُلبِسُها لِنعشٍ مِن حجَرْ في عُرْسِ غَزّةَ
سَنُغنّي وسنلثمُ فاهَ الأرضِ
المخضب من حناء عروس الوعد المنتظَرْ
ونزرعُ داليةً للحُرّية
للحُرّية للحُرّية
صرختُ…..صحوتُ
صارَتْ كوفيّتي خِرقةً
لِمَ أتاني الصبح العابس ؟
لِمَ طرحَتْ داليتي عِنبًا يابسْ ؟
لِمَ اتعرّى من أنفاسي
قلقاً،مقهوراً، مهزوماً يائسْ؟
تتكسرُ أجنحتي أصحو أهذي
أصيرُ كمنفى يَسْعى لِخلودٍ
يعتقِلوني يلتهِموني
ديدانٌ تحفرُ في نحْري تقضِمُني الدِّيدانْ
مخلوعٌ من أرْضي منزوعُ الأحْلامِ
أُصيرُ جيْفةً تنثرُها الرّيحُ
أموتُ كغزة
وحيدًا وحيدًا
يرتِّبونَ دفني يوزِّعونَ لَحْمي
والإخْوانُ يُنكرونَ رُفاتي
يشربون نخبي وتاريخي المناضلْ
ويسقون أترابي وعودًا وعودا
يدندنونَ : ناموا ناموا
والاحلام تصير فناءْ
بأرضٍ عَراءْ
وأظلُّ أموتُ
وأمّي تُنادي بصبرِ أيّوب
وصوتٌ يشقُّ الأرضَ
نموتُ لنَحْيى وبعدَ الموتِ نَظلُّ نُقاتلْ
هذه الصفحة “الخاطرة النثرية” مخصّصة للمشاركات والمساهمات الأدبية في موسوعة “غزة كفاح وجراح” الواردة إلى بيت فلسطين للثقافة
https://palfcul.org/?p=11252 رابط مختصر