10 December, 2024

واقع البطولة – بقلم إسراء عماد العزوني

تحكى الكثير من الحكايا والأساطير في عالم البشر، أساطير عن أناس خارقين، ووحوشٍ وما إلى ذلك، جسد العالم أساطيرهم في السينما، وعلقوا عقول أجيال عدة بأبطالٍ وهميين لا نفع منهم ولا ضر؛ لكن هل توقعت يوماً أن تشهد حكايات بعض الأبطال؟! أبطالٍ حقيقيين ليسوا أوهاماً.

في بلدٍ تكللت سمائها برائحة المسك، وتشبعت أرضها بأنهار من زعفران، بلد العزة والبطولة، أرض الكرامة والشرف، أرض الأبطال؛ غزة حيث واقع البطولة.

عرفنا جميعاً أن من رحم المعاناة يولد الأمل؛ لكن أن يتجسد الأمل في أمة بأكملها، لم نشهد لهذا مثيل، بات حلم الصلاة في الأقصى أكثر دنواً منا، لم يعد حلماً، فعلى أيدي أبطال شداد سيتحقق النصر بأذن ملك الملوك، وسيعود لهذه الأرض أبنائها ولو بعد حين، فليس بعد الجهاد إلا النصر، وليس بعد البكاء إلا الضحك، وليس بعد الصبر إلا الفرج؛ فمن قاتل ليحق الحق ويبطل الباطل لابد له من أن ينتصر.

وهكذا قد نقش منتصر سؤاله لوالدته: هل سننتصر يا أماه؟ هل ستعود بلادنا كما كانت؟ وهل ستعود لي قدمي التي فقدتها؟

كانت الأم متمسكةً بالأمل؛ الأمل الذي يحيل كل شيء أسود إلى بياض لا يشوبه شائبة، كانت تدرك أن هذه البلاد ستنتصر، وأنها ستعود لأفضل مما كانت عليه وإن اغتالتهم قذائف العدو قبل أن يروا هذا اليوم، فهذا الوعد الرباني، كانت تعرف كيف ستجيب صغيرها على كل سؤال يتعلق بالحرب، لكن لم تعرف كيف ستجيبه فيما يتعلق بفقده.

كيف ستخبره بأن قدمه لن تعود، كيف ستسطر له الكلمات وترتبها، ظلت شاردة الذهن لكثيرٍ من الوقت ولم تعرف ما ستكون الإجابة.

ظل منتصر ينظر لأمه ويستجدي الجواب لكن انتظاره طال كثيراً، ليفقد أخر ما تبقى له من صبر ويهز كتف أمه علها تجيبه: أمي ما بك؟ 

: ها أنا معك بني.

: لم تجيبيني؟

: سننتصر بني، سننتصر، ألم يسمك والدك منتصر استبشاراً بالنصر، وها هي البشريات تأتي وإن كانت مؤلمة، سيعوضنا الله.

: وهل ستعود قدمي؟

: هل أخبرك بما هو أفضل؟

: ماذا؟

: هل تريد أن يكون لك جناحان لتطير بهما؟

: نعم.

: ما رأيك إذاً أن تصبر على فقدان قدمك، وتنتظر الهدية من الله.

: هل ستكون الهدية جميلة.

: بل رائعة أكثر مما تتصور.

: إذاً سأصبر، لكن كيف سألعب؟

: ستلعب في الجنة.

ولدت على هذه الأرض الحياة، وماتت بهذه الأرض الحياة؛ ماتت كثيراً رغم الجهد الجهيد الذي يبذله أبنائها ليحيوا، ليتذوقوا طعم السعادة بأقل ما يكون من الإمكانيات، ماتت هنا الحياة مع كل روح زهقت، ماتت في كل عين ذرفت، ماتت في النفوس، حياة لا قيمة لها، اشتروا بأرواحهم وأموالهم وأبنائهم حياة أفضل بكثير، حياة أبدية حيث لا تعب أو شقاء.

رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=14000

Font Resize