6 December, 2024

فتون – بقلم محمد الخوالدة

إنها الساعة السابعة مساء ، لقد تأخر أبي كثيرا هذه المره، قالتها فتون بنت العاشرة ويداها ترتعشان، لم تعد تقوى على سماع أي خبر مفزع.
سيحين وقت آذان المغرب وأبي لم يحضر، ياألهي أبي أبي.
هاهو ستار الخيمة يكشف كم فرحت فتون برجوع أبيها إليها، ففي كل مره يعود هو بمثابة عودة الحياة لها، لقد تأخرت كثيرا يأبي، لقد أعددت طعام الإفطار، كنت سأبقى في الصيام لحين عودتك.
فرح الأب أيضا برجوعه سالما، فلقد أنتهت الحرب منذ عام، وبقيت هناك بعض ندوبات وجروحات الحرب هنا وهناك ونقاط تفتيش في كل زاوية وقصف عشوائي بين الحين والآخر.
وحجوزات في كل يوم، إنها الحرب اللعينة،
قامت فتون بعمل إبريق شاي ساخن، انه لك ياأبي هدية رجوعك سالما، أندهش الأب ومن أين حصلت على السكر يابنتي ، فلا يوجد أحد عنده السكر فهو مفقود منذ شهر، قالت له أخفض صوتك يأابي ، لقد أدخرته من الاشهر السابقة، كانت كأس الشاي بمثابة أحتفال برجوع الأب سالما منذ يومين خلت.
وأنا يابنتي عندي لك مفاجأة عظيمة، أخفيتها عنك منذ عام ولم أحصل عليها الا اليوم.
ماهي ماهي يأبي قالتها فتون وهي تسرق الفرح من ثغر الحرب ومن فم الجوع.
لا لن أقولها لك حتى ننهي شرب الشاي الساخن الذي أعددتيه لنا في هذا الجو البارد
يكتشف الأب من كأس الشاي ويقول بنبرة حزن الله يافتون كانت أمك رحمها الله تعد نفس طعم الشاي هذا لقد ورثت منها دقة وضع السكر يابنتي.
تقول فتون ممازحة ومهدأة لكلمات أبيها كلنا راحلون ياأبي عن هذه الدنيا ولن يبقى منا أحد
قال الأب : صحيح يابنتي ولكن في القلب حزن ووجد على من فقدانهم يعتصر قلوبنا بين كل فينة وفينة.
هيا يأبي لم لاتقول لي ماذا أحضرت لي وماهو هذا الشيء الذي منذ عام وانت تذهب إلى مراكز المساعدات تبحث عنه هيا يأبي أهو مهم لهذه الدرجة.
كانت فتون فتاة متفوقة علميا شديدة الذكاء تحب الحياة، تصنع من الحزن بقايا فرح ، تبعث في النفس العزيمة والإصرار على الحياة.
حسنا حسنا يابنيتي ولكن هل بقي عندك من هذا الشاي اللذين وهل ياترى بقي لغد شيء من السكر.
لاتخف ياأبي هناك مايكفي ليومين او ثلاثة لقد أعطتني جارتنا في المخيم كيسا فيه بعض السكر ، وجدت في بقايا منزلها كيسا هناك
ضحك الأب متأملا كل ماحدث وكيف كانوا يعيشون في بيوتهم فرحين مطمأنين ولم تكن قضية مثل قليل من السكر تشغل بالهم او تكون حديث لسمرهم ومهما لهذا الحد.
لقد حصلت على الموافقة من مركز المساعدات
وسيتم الكشف عليك غدا ان شاء الله ليعطوك طرفا صناعيا.
ماذا تقول قالتها فتون بلهفة تشوبها الحزن والقهر، هل هذا صحيح
كم أحبك ياأبي ومنذ عام وانت تذهب في الأسبوع مرتين تطالب بطرف صناعي لي كم أنت عظيم ياأبي قالتها بنت العاشرة وكان كلامها يمزق قلب أبيها فلقد فقدت يدها اليسرى أثناء الحرب وفقدت أمها وأخويها كذلك
فكان يبحث عن أي شيء يبعث في نفسها البهجة ويساعدها على الاستمرار في حياتها.
إن لعنة الحروب تلاحق الناس في حياتهم وتحفر في قلوبهم ندوبا ومآسي لاتندمل
ففي كل بيت في غزة هناك آهات تخرج من كل خيمة تعانق السماء، وتشكي لخالقها ظلم البشر وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فالعدالة في السماء والظلم في الأرض.
فتون موجودة في كل مكان حولنا وفي أنفسنا التي تعبت من ويلات الحروب فإلى متى ستبقى البشرية تدفع حياتها مقابل الجهل و الظلم.

رابط مختصر:https://palfcul.org/?p=14102

Font Resize