غزة الصغيرة – بقلم حفيظة ميمي مشاركة ضمن موسوعة “غزة كفاح وجراح”
غزة الصغيرة
غزة طفلة صغيرة لم تُفطم
كالمعجزة؛
خرجت من تحت الردم حية تُرزق
روح روح أبيها مازالت لم تُعتق
حرموها حليب أمها
وألقموها ثدي الوطن المُمزق
حتى تتشرّب دم الشهداء
وتشبّ على طهارة أجمل
فتوردت وجنتاها تيمنا بالنجاة
وزاد ثغرها وتبسم
وعلى حين رضعة مستحيلة؛
سقط صاروخ آخر على رأس بيتها
فطارت ابتسامتها عصفورا مذعورا
في السماء يتخبط
واظلمت عيناها
صارتا صندوقي حزن مُبكر
خبأت في سواد الصندوق الأول؛
جثة أمها
التي عرفتها من جديلة شعرها المخضب
وجثة أبيها بظهره المحدودب
وجثة أخيها؛
“يوسف” الحلو ذي الشعر المجعد
وجثة أختها في الفجيعة الأكبر
وكذا جثث خالها وابن عمها وسِتها
وجدها ما قبل الأول
صارت في اليتم ألفا مكرر
وجثة جارتها بالجنب
ومعلمتها في المستقبل
قيل لها؛
المدرسة التي مازلت الطريق إليها لا تعرف
دمروها بكل أبجدية الحقد المبرمج
والمدجج
وغير الممنطق
ولكي تصير تلميذة فيها
يجب أن ينبت لها جناحان أخضران
وريش بهيٌ منسق
وأن تحفظ عن ظهر خوف
قواعد الحرب الخارقة للقانون
وأن تصبح حمامة بالسلام تكفر
فقد دمروا جيلها والجيل الذي قبلها والذي بعد
وانتقموا من العصافير والفراشات والشجر والحجر
وحتى من أحلام الأطفال الخُدج
تأوهت روح روحها..
كيف السبيل إلى الشهادة الكبرى؟
فأعضائي مبتورة
وبعض أحشائي على الأرض منشورة
وقلبي مازال ينزف
من فمي يدخل حليب الدم
ومن ثقوب جسدي يخرج؟
قيل لها؛ عفوا صغيرتي
مشفى “الشفاء” أضافوا نقطة لفائه
تتمثل في صاروخ حقد أسود
فبتنا بلا رجاء
فقط “الشقاء” في عيون الجرحى يُحدق
والأطباء على ضوء الشموع
يقطعون اللحم الحي بمشرط
يخيطون الصراخ على الصبر على كثير من الذِكر
يصنعون دمى فرانكشتاين جديدة
عليها العالم يتفرج…!
صرنا بلا أكفان ولا قبور
صرنا حديث عبور للقارات
في طابور الموت نتبختر،
سقطت دمعة من عين الرضيعة
أحرقت ما تبقى من قماطها المبعثر
حتى ألهت ملائكة الرحمان
وهي تطرز كفنها عروس جنة وبالمسك تعطر
فقد تذكرت على حين غارة؛
آه.. ماذا عساني أخبئ
في صندوق عيني الثاني
المظلم أكثر؟!
قيل لها؛
غياب الإنسان
وأحلام الوطن المؤجل
لكن قرارنا هذه المرة تجاوز مذاقات الحنظل
إلى استعار المعركة
مسافة الصفر حسمت قضيتنا؛
أن نكون أو نكون
وبدم الأحرار التاريخ سيسجل.
هذه الصفحة “الخاطرة النثرية” مخصّصة للمشاركات والمساهمات الأدبية في موسوعة “غزة كفاح وجراح” الواردة إلى بيت فلسطين للثقافة
https://palfcul.org/?p=11811رابط مختصر