المقدمة:
قد تتراءى لك أنها مجرد أسطورة من مكان سالف أو مستحدث، غير أن الواقع مختلف عما تشاهده، فما خُفي كان أعظم!
القصة:
استيقظت على صراخ النساء اللاتي كُنّ بجوارها، وقهقهة الجنود المتسخة، شعرت بأن يديها مُكبلة وعينيها مغطاة، حاولت فكهما لكن دون جدوى، أرادات أن ترى ما الذي يحدث حولها؟، كانت تدور في مُخيلتها أفكار وأسئلة عن تلك الأصوات ومصدرها، وفجأة سمعت صوت يتجه إلى نحوها ويقول لها بالعبرية حان دورك، وقبل أن تتفوه بأي لفظ، فإذ بالجندي يسحبها بكل وحشية ويُجردها من ملابسها وهي مازالت على تلك الحالة حتى لا تقاومه ليرتكب عملية السطو على جسدها الصغير، كانت تصرخ لكن دون مجيب وعلى مرأى ومسمع من زملائه الذين تحفزّوا لإكمال ما تبقى من نهبٍ لجسدٍ نحيل وبعد أن انتهوا من وساختهم تلك التي لم تفهمها جنى ذو الخامسة عشر من العمر، فأي ذنب اقترفته حتى تُصاب بذلك المُصاب؟! ، أخذت تنوح وتتوسل لهم أن يعطوها ثيابها لتستر جسدها فإذ هم يسخرون من طلبها فقد رؤوا كل شيء فيه، فيأتي أحدهم يُركلها بقوة على أجزاء متفرقة من جسدها حتى تصمت فتزداد صراخ فيرمي ملابسها عليها ويفك قيدها، فتتلمس بيديها الصغيرتين الغطاء فتفتحهما فتشاهد الصدمة حيث تجد نساء عاريات وبعضهن مُغطاة بلحافٍ ممزق والبعض مُتن من كثرة الاغتصاب وهن في عمر الزهور والدماء على الأرض شاهدة عليهم، فُتصعق من هول ما شاهدته وكأنه فيلم دموي بامتياز تمنت ألا تراه، أخذت تتنفس الصعداء ودموعها تنسكب منها ،فلم تدري وقتها أتعزي نفسها أم تعزي النساء الأُخريات التي مثلها؟! ، لم تستطع النوم في تلك الليلة فهي حقاً مريرة بكل ما تحمله من مرارة!، ظلت معهن أسيرة دون طعام أو شراب، ليأتي بعدها أحد الجنود لينقل لهن خبر الإفراج عن بعضهن وهي من ضمنهن ، وقبل خروجهن من السجن يُبصق في وجوههن ليزددن قذارة فوق القذارة التي مارسوها عليهن، فيكثر شعور الوجع بداخلهن مضاعفة أنهن عار، وفي تلك الليلة القارسة المظلمة يخرجن وجنى آخراهن وهي حزينة على حال الأُخريات الأسيرات القابعات خلف سجون أولئك الشياطين من البشر الذين لا يمتلكون ذرة من إنسانية. كانت مجموعة منهن يتقدمن في السير وجنى تبعدهن بأمتار وهي تمشي هزيلة الخطى بترحٍ منكسر، وبينما كان الجميع منشغلاً بحاله، إذ يأتي صاروخ يُشتت تلك النسوة المجتمعة وجنى تشاهد المنظر المرعب وكأنه كُتب عليها أن تشاهد كلما هو سيء رغم صغر سنها، لتختبأ وقتها في أحد البيوت المتهدمة وتأجهش ببكاءها حتى يغلبها النعاس إلى أن طلع الصباح بتعبه المكدّر، حاولت أن تلملم بقايا جسد مرهق ممزق من الداخل قبل الخارج، شعرت بالجوع فهي لم تأكل منذ يومين، رأت بعض ورقيات الشجر فلعقتها رغم مرارتها، ثم مشت ووجدت مدينتها، لكنها تبدو بشعة هذه المرة، فالدمار يحوطها من كل جانب والأشلاء المتفرقة على جانبتها، ليلفت أنتباهها على الاتجاه الآخر أناسٌ حاملين أغراضهم ومعهم أطفالهم وبعضهم كهول بالكاد يمشون وملاحمهم تحكي أنهم مُرغمون على ترك مدينتهم وذهابهم إلى المجهول، فتتجه مُسرعة إلى منزلها، فتجده بقايا أطلال، ضجت بصوتها بحرقةٍ مكلومةٍ ليقطع ذلك الصوت أصوات خُطُى تمشي نحوها فإذ بها تهلع ليخبرها الرجل بألا تخاف منه فهو مجرد صحفي يريد أن يجري معها مقابلة أن سمحت له، شعرت جنى بلظى تحرقها لكنها تكلمت عن قصتها كاملة إلى أن جعلت الصحفي يذرف الدموع لهول ما سمعه، وبعد أن أنهى حواره معها إذ بصوت الرصاص تخترق صدره من الخلف ليسقط الصحفي شهيد وتسقط كاميراته معه وجنى تشاهد القاتل الصهيوني وعينيها جاحظتان عليه لينهي تلك النظرة له برصاصة في قلبها لتسقط بعد ذلك جنى شهيدة، ثم يمضي هو وكأنه لم يصنع شيء، فبتقى الكاميرا مُلاقاه على الأرض، ليأتي طير من السماء فيلتقطها وهي مازالت تعمل فيضعها منصوبة على جبلٍ وعلى أسفله جنود الاحتلال لتبقى تلك الكاميرا شاهدة على سجع الدم المتكرر الذين يرتكبونه كل يوم بكل عبثيةٍ وبجاحة على تلك الأرض المقدسة أمام مرأى العالم أجمع.