8 December, 2024

زفاف – بقلم محمد على عاشور

لأول مرة يحضر زفاف أحد أصدقائه ، وهو يزف محمولا فوق الأعناق ، دموع والدة العريس لا تتوقف ، لقد شاهد أعراساً كثيرة لكن هذا لأول صديق . 

الأسلحة النارية ترفع في الهواء من قبل من يملكها من أصدقائه وغير أصدقائه ، من يعرفه ومن لا يعرفه ، الرصاصات تنطلق ، تشق الهواء وتصم الآذان ، ورائحة البارود تجعل الأدمغة تغلي . 

الجميع يتزاحمون ليحملوا العريس ، لكن لن يستطيع أحد أن يحرك حامليه ويجعلهم يتركون أماكنهم.

المشوار طويل ، والعروس تنتظر ، وتعرف أنه لن يكون الزفاف الأخير ، فسيعقبه زفاف وزفاف ، ثم زفاف وزفاف وهكذا . 

الأكتاف المتدافعة نحته بعيداً عن صديقه ، لقد فرق بينهما العرس ، أقسم في هذه اللحظة أن العرس كما فرقهما لابد أن يجمعهما عرس آخر . 

عاد إلى بيته وظل جالسا طوال الليل ، وقبل أن يأوي لفراشه شاهد العرس في التلفاز ، لكنه لم ير نفسه في الموجودين فيبدو أنه ابتعد عن الصورة . 

فكر في ليلته كيف يكون عريساً ؟، لكن لن يسمح له والده بذلك فهو مازال صغيرا. 

جلس مع عائلته على الفطور ، الجميع صامتون وهم يتناولون لقيماتهم القليلة ، والده يدعي الطعام حتى يأكل أولاده وكذلك الأم، بين الفينة والفينة تلتقي الأعين وترتد فورا على المائدة . 

هو الوحيد الذي لا ترتد عيناه إلى المائدة فقد أخذ يتصفح وجوه الجميع ، والدته ذات القسمات الطيبة ، التي لا تتكلم إلا قليلا ، ووالده برغم قسوة ملامحه، واقتضاب جبينه، وحدته أحيانا ، إلا أنه يعرف أنه طيب القلب ، واخوته ….. ، لم يترك أحداً إلا تفحصه ، وقد أخذ يفكر .. ما وقع الخبر على مسامعهم ؟! لا يهم ، فقد تدبر الأمر .

خرج متجها إلى مكان اللقاء، لا يملك سوى أجرة ذهابه ، نظر إلى البيت ، من بعيد، ثم سار ، ثم أخذ يلتفت وهو سائر ليرى والدته تقف أمام البيت فيلوح لها وهو سائر بظهره فتلوح له وهي تبتسم . 

أخذ يركل بعض قطع الحجارة بقدمه ، أعجبته إحداها فقد كان شكلها واستدارتها مثل حبة ” المانجو ” فأخذها وهو يقلبها في يديه. 

وجد أقرانه يتوارون ويترقبون ، ” هل سيكون بينكم عريس قبلي ؟! لا .. لن يحدث هذا ” ! 

هكذا قال في نفسه وهو يقترب ثم فرد ذراعه عن أخرها في الهواء ثم انحنى إلى الجنب واندفع إلى الأمام بنصف جسده العلوي كأمهر رامِ . 

لم يعد أحد في عينيه ،لقد فعل ما كان يريده ويعلم أن والده سيفخر به في كل الأيام، كما ستفخر به العروس . 

حمله أصدقاؤه على الأعناق ، الأعيرة النارية تنطلق ، الزفاف يتحرك إلى إقامته الجديدة ، ووالدته تبكي، ووجد من زف قبله ينتظرونه في ملابسهم البيضاء وقد بشت وجوههم ، انزلوه من على أكتافهم، ثم ادخلوه في مكان إقامته الجديد الذي كتب عليه من الناحية الأخرى الشهيد …..!

رابط مختصر :https://palfcul.org/?p=13935

Font Resize