في شرفة ليست بالمرتفعة ذات ستائر شفافة تذروها الرياح بنسمات تشفي القلب العليل وقفت (ميسون ) بشعرها الأصفر وعينيها العسليتين تدندن بصوت مسموع ” ساكن في حي السيدة وحبيبي ساكن في الحسييييين ، وعشان أنول كل الرضا .. ”
قاطعتها الأم في عتاب مكتوم
– ” ميسون ، خلي بالك شوية من كلامك ، من ساعة ما اتطردنا من مصر وانت اتعلقتي بيها أكتر “
– ” يا مامي انا ميهمنيش المكان اللي بعيش فيه ، أد ما يهمني إني بعدت عن الناس اللي بحبهم وبعدين مصر جنبنا مش بعيدة يعني مجرد معبر لو عايزة اروح “
– ” تقصدي مين بالناس اللي بتحبيهم؟ ولا يكونش قصدك اااا …. ” رمقتها الأم بعين يملؤها الغضب ثم أكملت قائلة :
” يلا بلاش كلام فارغ ، ياما قولتلك هو من طريق واحنا من طريق لا بيحبونا ولا بنحبهم ”
– ” بس أنا بحبه يا ماما ” كانت هذه آخر كلماتي قبل أن تهوي أمي بصفعات قوية على خداي .. جريت على إثرها تجاه غرفتي في نوبة بكاء هستيرية مغلِقة ً بابها في غضب ممزوج بحزن دفين .
أمسكت ُ قلمي أخط في مذكراتي :
( اليوم السادس والعشرون لفراقنا يا آسر ..
هل إشتقت إلي ّ كما أشتاق ؟
هل تتسارع دقات قلبك كلما مرت بذاكرتك أيام لقائنا في وسط المدينة ، آه يا آسر لو كان طريقنا واحد ، لو استطعنا فك قيود الهوية التي كبلتنا ، لاستطعنا أن نعلنها لكل العالم لقد كسرنا تلك التوابيت الدينية وتغلبنا على العداوة المجتمعية )
أنا هنا وحبيبي هناگ ،أغلقت مذكرتي على قلبي البائس ، إحتضنتها فقط لأنها تحوي إسمك يا آسر .. يا آسر قلبي وعقلي وروحي .. كيف اللقاء دِلني!
غطت عيناي في نوم عميق وظل قلبي ينبض بحبك طوال لياليا الحزينة ، لم أدر ِ إلا بيد تهزني برفق ، أعرفها جيدا ، أجل ..
حاولت فتح عيناي لكن كانت المفاجأة ، عصبوا عيناي بضمادة فلم أستطع أن أرىٰ ، لكن قلبي يرى .. قلبي يشعر ، قلبي يهديني ، قفز فرحا ً فعلمت أنك أنت ♡
لكن مهلاً لم أنا مكبلة اليدين معصوبة العينين مكتومة الكلمات؟ من يحملني وإلى أين؟ بعد محاولات مريرة لأنزع ضماداتي ، لم أستطع
فاستسلمت .. بعد أن سلّم قلبي
مر الوقت لم أحسبه ، جل ما دار بخاطري رؤية حبيب قلبي ونور عيناي – آسر –
آسر قلبي منذ أن إلتقيته في نهاية حزيران في العام السابق ،
صدق من قال أن نور البصيرة و وله العشاق هنا في سويداء القلب ، لا تحتاج لعقلك كي تفكر او عيناك كي ترى ٰ ، يكفيك قلب نقي ، وحبيب على بعد سنتيمترات منك ، عقارب الساعات استحالت سنين ، روليت الانتظار ممل ،
بعد وقت ليس بالقليل فكوا قيدي ، قيد الأرجل والأيدي ، وأزالوا عصبة عيناي ..
لأرى رجلاً مخبأ خلف قناع أسود .. أبيض القلب
عينان أعرفهما جيداً .. عينان لطالما لمعت بلقائنا بعد كل غياب وشوق ،
أشار إلي ّ كي أصمت ، فعلت بدون مقاومة ،
تلفتت حولي لأرى فتيات ونساء كثيرات مثلي ، ورجال آخرون ليسوا مثل آسر ،
تبينت الأمر فإذا بوسائل الإعلام تعلن أننا إختطفنا ، إننا رهائن !
ألم يعلموا بأني رهينة العشق الأبدي لذاك الآسر !
لم أعِر تلك الأخبار انتباها فهذا يعلن أننا تم اختطافنا بالمنطاد في غفلة من قوات التأمين الخاصة بنا وهذه قناة تعلن أننا أجبرنا تحت تهديد السلاح على مغادرة بيوتنا نحو أنفاق تحت الأرض مع خاطفينا وأننا ينكل بنا الآن وسينتهي الأمر بمقتلنا ..
لم أغضب ولم أخف ، أنا أعرف آسري جيداً منذ سنوات ولا أدخر ذرة للشك فيما سيفعله معي على الرغم من كوننا لسنا على عقيدة واحدة ، نحن طرفي صراع ، لكن اتفق قلبينا على الوحدة الغناءة و العشق اللامنتهي ..
فلتذهب نواميس الناس إلى الجحيم ، الجنة في قلبي وقلبي يملكه آسر ..
ها هم أربعون يوماً ، مروا كما لو كانوا أربعين دقيقة!
أنا وآسر ولأول مرة منذ وقت طويل بهذا القرب على الرغم من الحب الصامت بيننا لكن أقسم أن لديه قلباً يتلوى في العشق مثلي ، يهيم هياما ً بحبي
في نهاية اليوم تلقينا اتصالات من أهلنا و ذوينا مؤكدين أنهم على تواصل مع القادة كي يفرجوا عنا بصفقة تحريرنا .. من أخبركم أنني أريد الحرية ؟
والله لأسري مع الحبيب أحب إلي ّ من حريتي !
إنتزعت الصمت مني وطلبت من آسر أن نتحدث سويا على انفراد فأذن لي ..
” آسر ، مش عايزة أرجع أنا محتاجة وجودك جنبي ”
– لا يا ميسون مش هينفع ، دي قوة عسكرية وتنظيم مش لعبة
” ده اختياري وده قراري مش هرجع يعني مش هرجع “
– ده قرار انتحاري!
” مستعدة أكتب إقرار على نفسي إني مش مجبرة وإني عملت كده بمزاجي”
– فكري كويس يا ميسون ، متخلنيش أندم على خطفك ، أنا كل أملي كان إني أشوفك وتبقي في أمان معايا ، مكنتش أعرف إن الموضوع هيكبر كده
” بالعكس ده أحسن قرار انت أخدته ، وأنا كمان هبقى شجاعة وأنفذ وعدي “
– بس ااااا …
” مفيش بس ، خلص الكلام في الموضوع ده “
أنهيت محادثتي وأغلقت صفحة الحوار نهائياً ،
لاحقاً عشت أجمل أيام حياتي ، لكنها الدنيا لا تستمر على وتيرة واحدة ،
ففي الثاني من شباط نفس العام تم إلقاء القبض عليا متلبسة أثناء محاولتي التسلل لإحضار المؤن والذخائر وأثناء ترحيلي إلى السجن إشتبك آسر معهم محاولا ً تهريبي ، لكن تأتي الأيام بما لا نشتهي فأصابته رصاصة غادرة سقط على إثرها في بحر دمائه ، واقتادوني إلى السجن لأقضي مدة عقوبتي ..
ولا أدري علام العقاب ، فقد عوقبت وانخلع قلبي حينما رفعت يدي مضرجة بدماء حبيبي في تلك الليلة القاسية والتي لم يشرق فجرها حتى الآن .
فيا خاطفي .. مهلاً
أمنن عليا بنظرة ٍ تسد رمق العاشقين