10 December, 2024

إني مغلوب فانتصر – بقلم محمد اليحياوي

في يوم ممطر متلبد أفقه بآهات النازحين بأحد ضواحي غزة. كان الكل يترقب سماع قذائف الكيان الصهيوني تهز المكان. و قد استمر الخوف و الهلع، إلى أن أتت البشرى بتراجع العدو بعدما تمت المصادقة على هدنة لتبادل الأسرى و وقف إطلاق النار. استعدت الأرواح الفلسطينية للدخول في سباق سرعة مع الزمن، حيث سيحاولون في هذه المدة ان يقوموا بجمع ما استطاعوا من الأغراض، و الذهاب نحو مكان أكثر سكينة و إن لم يوجد ما هو أكثر امانا من القبر. أما الرحال فيضم بعض الملابس لستر ما تبقى من عورتهم، ثم قليل من الزاد لا يكفي حتى شخصا واحدا في الأسرة الواحدة. لتبدأ عملية التبادل بعد يومين …

  كما كان متوقعا أفرج الكيان عن نساء معذبات، و عن اطفال نضجوا قبل الأوان بسبب الإصابات البليغة التي لحقت بهم. إضافة إلى شيوخ معظمهم، لا يبصرون إلا عذابا سيلم بالعدو إلماما طال الزمن أو قصر. و في الضفة الأخرى تم إطلاق صراح عديد من الجنود و القادة العسكريين للكيان، مقابل انعدام وجود الأطفال. و هذا ليس لامتناعهم عن الإفراج عليهم

 و إنما كونهم لا يتواجدون أصلا ضمن الأسرى. و ها هي العملية قد انتهت بعد خمسة أيام متواصلة. لتمر بذلك أيام و تنقضي شهور، لتعود الأمور إلى الحال الذي كانت عليه. رصاص يتطاير بكل مكان، سماء اسودت بفعل كثرة الانفجارات، و أرواح تزهق بكل الوسائل و الطرق. منها من دفن تحت الركام، و أخرى انتزعت في الظلام .. لكن مع ذلك تم إنقاذ العديد منها و لعل الفضل في هذا يعود أساسا لأحد الأطباء الذين رفضوا الهجرة إلى بلد آخر، و هو الذي يشهد له بكفاءته. ليفضل البقاء و إنقاذ عصافير غزة .. لكن سرعان ما سيتم اغتياله ككل النقط المضيئة بسماء فلسطين، حيث تنكر أحد جنود الكيان على هيئة مواطن فلسطيني في حاجة للعناية الطبية، قبل أن يفجر نفسه ما إن اقترب منه الطبيب. هذا الأخير الذي اكتفى بالابتسام و التشهد بعد أن قال فدعا ربه أني مغلوب فانتصر. ليقيم له المواطنون كاستثناء مراسيم دفن، مستغلين وقف إطلاق النار من أجل دخول المساعدات .. و ما لا يعرفه الكل، أن الطبيب يهودي الأصل و أكثر من هذا عميل في المصاد ثم اختياره لتنفيد انتحار انفاجري وسط الأسرى الفلسطينيين الذين ثم الإفراج عنهم آخر مرة. إلا أنه بعد أن رأى المذلة و المهانة التي يقوم عليها الكيان، أبى فعل ذلك و قرر المساعدة على إنقاذ الأرواح عوض قتلهم. ليتم اغتياله بهذه الطريقة بعد علم المصاد بذلك.

  و في خضم الجنازة، مر بضعة جنود صهاينة بقربها حاملين جثمانا ما. ليأمرهم قائدهم بعد برهة بوضع الجثمان أرضا، بعدما داس على أحشاء طفل على ما يبدو. ثم قام بنزع ما علق بحذائه، مستخدما حافة الجثمان. و هنا كاد يتدخل أحد الشباب الفلسطينيين، لولا أن حالت أمه دون ذلك قائلة : لا بأس بني .. فما ذاك إلا جثمان العرب. دعه و دعهم فداك ما يناسبهم. هيا بنا لنكمل مراسيم دفن الطبيب

Font Resize