11 February, 2025

بابُ الأمل – بقلم إسلام سعد

كان جالسًا علي الأريكة لا يدري هل هو في وضع جلوس أم نوم سابحًا في خيالاته، يتأمل دنياه و يري حياته البائسة، كان منقطع الأمل كورقةٍ علي وشك السقوط من شجرتها في فصل الخريف، هذه الشجرة تمثل العالم الذي نحياه، و فجأة و بدون أي مقدمات فُتح بابُ الأمل و نفذ شعاع التفائل إلي قلبهِ بعد أن كان ككتلةٍ مظلمة لا تحمل من النور ما يكفي لرؤيتها، و صار شعاع الأمل يخترق فؤاده و يقتل منه اليأس، كل ذلك حدث في لحظةٍ واحدة حينما سمع الجميع يهلل تحيا فلسطين بأبطالها الشجعان، هو لم يسمع تلك الكلمة بأذنيه لقد أدركها بقلبه و علي الفور صار يهرول إلي التلفاز ليعرف ماذا حدث و هو راقدٌ هنا بكهفه المنعزل عن العالم و لكن لشدة الأسف لم يستطع تشغيل التلفاز فهو كان يحصي متاعب حياته و التي منها أنه لم يدفع الفاتورة مُنذُ خمسةِ أشهُر حتي قُطعت عنه الكهرباء، لقد زاد الهم فوق كاهلهِ أضعافًا بعد هذه اللحظة لكن الأمل اخترق فؤاده من جديد كالضيف الثقيل المصمم علي البقاء و سمع دوى الفرح و السرور يملئ العالم كله، لكن ما كان أشدُ من ذلك سرورًا هو أن الغبطة ملأت قلبه و قلبه أكبر من هذا العالم لكن الأمل لم يخترقه منذُ سنين، صار يهبط كالطائرة التي تخطت سرعة الصوت إلي المقاهي ليري الأخبار التي تملأ العالم فرحةً عارمة، و لقد تمني أمنيةً أثناء هبوطه و هي أن فلسطين تحررت و أن الجميع سيزور القدس و نركع في الأقصي و يالجمال  الأمر لو طارت أرواحنا إلي السماء في هذه اللحظة و أثناء الركوع، ما عاد يتمني من العالم شيئًا سوي هذه الأمنية، نسي كل مآسيه في لحظة و ما عاد يذكر منها شيئًا، هل الأمر يحتمل كل هذا أم أنها مجرد مبالغة من قلبٍ نقيٍ لا يشوبهُ شائبة، لا يريد من العالم شيئًا بل يريد أن يخرج منه نقيًا كما دخله، و دخل صاحبنا إلي أحد المقاهي بلهفةٍ و يحمل بعيونهِ لوعةً تفوق لوعة العُشاقِ، سأل أحد الجالسين ما سر هذه الفرحة ماذا حدث في قضية الأجيال، الأجيال التي كانت و الأجيال الآتية، فنظر الرجل إليه يستنكر سؤاله حقًا ألا تدري، لقد صدحت بلابل الإعلام كلها بالخبر، فرد صاحبنا أنا كالتائه في هذا العالم، أعيش كالفئران في الجحر، أو ككوكبٍ منعزلٍ في نهاية المجرة، أخبرني أرجوك إن اللهفة تكاد تقتلني و الفضول يطرق أبواب قلبي، فأخبره الرجل فورًا حسنًا حسنًا علي رسلك، لقد نجح أبطال فلسطين في تنفيذ عملية عسكرية ممنهجة أثبتت فشل الدفاعات الحديثة للدولة المزعوم أنها دولة،  كاد السرور يقتل صاحبنا من فرطه ،لقد مر الكثير و الكثير من الزمن الذي زعموا فيه أن تحرر فلسطين مُحال، لقد كان الأمل و خيبة الأمل يملأنهِ لكن أحدهما فاق الآخر، فلقد كان يجلس كئيبًا يُخيم عليه مستنقع من اليأس و فجأة يأتيه أملٌ يطمئنه، و جلس صاحبنا بعد أن تنفس أنفاس الطمئنينة التي تسللت إلي رأتيهِ و الجميع علي المقهي كالبلابل التي تغني في أعشاشها فرحًا، بل كالأفئدة التي تجلس بين الأضلاع في سكينة و راحة، صاحبنا الذي لم تمر به نسمة فرح منذ أن كان صغيرًا صار يهلل فَرِحًا، إن قضية فلسطين لم تخص أبدًا أهل فلسطين وحدهم، لقد كانت منفذًا من منافذ الفرح تارةٍ و من منافذ الأسي تارةً أخري، لقد حملت بين طياتها طوال أعوام نسيج من الذكريات المؤلمة لذلك كل الناس كانت فرحة، تجدد فيهم الأمل بعدما أرهقتهم الحياة، لدرجة أن صديقنا صار يقفز من فرط السرور الذي تمني لو يوزعه علي البقية، لكن الجميع كانوا يحملون من الغبطة ما يفيض عن حاجتهم و تحول السرور كسلعة غير مطلوبة و حل محله الحماسة لدرجة أن هناك من إقترحوا أن يذهبوا لتلك الحرب ليعوموا علي أمواج ذلك الطوفان الذي ما شهدوا قبل مثله.

رابط مختصر :

Font Resize