24 March, 2025

انطفاء أمة – بقلم عامر ممدوح

في لحظة انطفاء أمة بأكملها… توهجت جذوة غزة.. وليدٌ يحمل جينات قرون الخير وعزيمة الآن، ويمنح التاريخ أنفاس الصعداء بعد أن اشتد عليه وثاق السكون!

كانت دوماً فلسطين.. وصارت اليوم كما هي فلسطين!!

وفي غمرة تزاحم رعد وبرق الظلم على الأرض المباركة، وفي ظل توجعها الذي كاد يخنقها بالدماء ليل ونهار، تراها تعيد تكوين النزف من جديد ـ واعجباً ـ ليكون مداداً لتدوين سفر الخالدين!

والسِفر يكبر، والجمع يكثر، والجرح يكبّر!

ووسط هذا الخليط الغريب العجيب الممزوج بدمع الفقد والحسرة، ومن بين آلاف الشهداء واكوام الحياة المنكسرة، تظهر وفاء جرار، لتربت على النفوس الحزينة، وتعلمهم أنهم الأعلون ما داموا مؤمنين!

تبتسم لنا من مقعدها في الجنة، تلك الشهيدة مبتورة القدمين في الدنيا، المحتجزة قدماها لدى العدو الغاصب، المكتملة الطلعة البهية في عليين، تضحك في رضا قائلة: لا تحملوا هماً ولا تذرفوا دمعاً، فقد نلت مبتغاي في ذلك السباق العظيم!

في فلسطين وحدها.. تنقسم حتى جثامين الشهداء، فلا يكاد يجمعها قبر دائم ولا مؤقت، وتجدها تظل تبحث احداها عن الأخرى، تحاول أن تطمئن إلى أنها صدقت الوعد دون أن تأبه لقضم الوحوش للأشلاء الطاهرة، فأي ضير في ذلك للأحياء عند ربهم يرزقون وهم فرحين؟!

بل أي أذى والروح التي تسمو إلى خالقها قد تحررت من كل قيد أرضيّ ما زال يعيق من رضوا ان يكبلهم الوهن في أرض الفناء، وشتان بينها وأرض النعيم المقيم!!

جيش الساديين الأوباش يقدم يومياً وهو يمتطي صهوة آلة الموت، والارواح الفرحة تحلق وتطير.. وركب الألوف الذين يحملون وفاء وأخوانها وأخواتها على الأكتاف يومياً قد تراه بلا يد ولا عين ولا حتى رأس، لكن يبقى صوته عالياً بالحق المبين، والاستعداد ليوم الرحيل.. 

حينها تحلق الأزهار المكلومة نحو فضاء لا يعرف الظلم ولا الزور ولا يخون!

وكلما حل المساء، تجد ترنيمة الوداع تعلو، ونشيد النصر يبزغ فجره معها، معلناً أن أوان القول قد حان، والصمت والسكوت ولى، وهو تاريخ جديد يكتب، وحكايات من زمن الأولين تروى، وشملٌ حاول الغاصبون تفرقته، فأصر ان يجتمع كل حين… ولا يلين!

 

Font Resize