تحت أزيز طائرات العدو ، وبين دخان الانفجارات المُدَوِّيةِ ، يقف الجميع على خط التَّماس و قلوبهم وجلة من استنقاذ أحد الشهداء .. الكل يترقب و قد علت الحيرة و الأسى وجوههم ، فكأني بهم على رؤوسهم الطير ، فلا تكاد تسمع إلا همسا!
في هذه الأثناء يتبارى المراسلون من أجل أخذ الصور لميدان الحرب الآثمة طبعا لعلهم يستنطقون البلاطوهات التحليلية لاحقا ، و يستفزون مشاعر الناس لرفع المشاهدات ! ، في خضم كل هذا تتسل بكل احتشام امرأة من بين الجموع أو بالأحرى القطعان المشاهدة وقد استجمعت أنفاسها ، بغية إحضار جثة الشهيد المرمية في الشارع …
تنظر إليهم نظرة شاخصة ، وقد طأطؤوا رؤوسهم على استحياء ، تهز رأسها يمنة ويسرةً و تختلس النظر ، وقد نزعت خمارها تلوح به ، لاكتشاف عناصر قناصة حول المكان … رفعت رأسها إلى السماء و قد أطرقت مليا و إذ بها تسمع صوتا طفوليا يقول : ” أماه … أماه هيا توكلي على الله ولا تخشيْ شيئا ، أما نسيتِ أنك في ذمته ! ” ، تُنزِلُ رأسها و إذ بها ترى طفلا صغيرا وهو يرتجف من الخوف ، مسحت على رأسه و ربَّتت على كتفه وقبَّلته بين عينيه ، ثم قالت : ” لا تقلق يا أيها البطل الصغير ، فأنا على يقين بأنني في انتظار إحدى الحُسْنيَيْنِ …” ، حينها تبسم الصغير ضاحكا وقد أفلتته من يدها و هي تُسارع اللحظات و تتجاوز الركام و الدمار المتناثر هنا وهناك ، و الصحفيون ينقلون كل شاردة و واردة عن تحركاتها ، و ما إن وصلت إلى جثة الشهيد حتى فاجأتها رصاصة الغدر من وراء ظهرها ، نادت المرأة بالتكبير وقد صدحت حناجر المراقبين كذلك بالتكبير ، و سحبت الجثة أمتارا حتى سقطت تنزف أمام باب العيادة المحاصرة ، وهي تقول : ” خماري أين هو ، فإني لا أريد أن أخْفِرَ الله في ذمته ” .
رابط مخصر: https://palfcul.org/?p=14037