11 February, 2025

هل انتهينا أم بدأنا؟ – بقلم محمد الأسطل

تتفاوتُ الأيامُ يوماً بعدَ يومٍ حتّى وصلَ بي المطافُ إلى عاميَ الثالث في كليتي (الطب البشري)، ولكن فضلاً على أنَّ أعوامَ تلكَ الكليةِ لها النَّصيبُ الوافرُ في ذاتِها من جُهدٍ ونَصبٍ، إلّا أنَّهُ قد كانَ يومُ هذا العامِ بعامٍ، وبلادي التي أحبّ يتيمةُ الأبوينِ عشيقةُ الأسودينِ، تتجرَّعُ مرارةً هي الأولى من نوعِها في ذلكَ الزَّمنِ، تسحقُ أحشاءَها كأنَّها كانت أو لم تكن، هي بلادي ظمأى ليسَ من الماءِ الذي نشربُ فحسب؛ بل من ماءِ الإنسانيةِ أو العُرفِ أو النَّسب، هي (غزَّةُ) كانت فينا مَعلَماً، كانت فينا عزَّةً، كانت ولم تزلْ!

 فما كانَ من شجنٍ كافرٍ أو فقدٍ لعزيزٍ أو رصيفِ ذكرياتٍ طويلٍ يحملُ أمتعتي القديمةَ التي ما زالت تنتظرُني لكي نُسافرَ! كلُّ هذا قد صاحبَني؛ كأنَّا على عهدٍ وقد أوفى بِهِ، فمنذ صبيحةِ ذلكَ اليومِ كنَّا نعيشُ الحربَ، ثمَّ لا بُدَّ أن نُواكبَ السَّلامَ في الآنِ نفسِهِ!

كانَ عليكَ أن تدرسَ الطِّبَّ الحديثَ ووسائلَهُ وتقنياتِهِ، وبلادُكَ التي تُحبُّ خاليةٌ تماماً من إمكانياتِهِ كمّاً ونوعاً!

فمثلاً لا حصراً:

كم من طفلٍ بُتِرَت قدمُهُ دونَ تخديرٍ؟

كم من جُرحٍ نُظِّفَ بالخلِّ والصَّابونِ؟

أيُّ طبيبٍ هذا الذي يجري عمليتَهُ على مصباحِ هاتفِهِ؟

أيُّ إنقاذٍ لذاكَ الجريحِ على عربةٍ بدائيةٍ؟

ثمَّ تعالَ وحدِّثْني عن قسم (الكلى والغسيل) عندَما كانَ مُدجّجاً بالأجهزةِ للمرضى، فهل يغسلُ اليومَ مرضاهُ؟ أو قسمِ (الأورام) أينَ وكيفَ يعيشُ مرضاهُ؟

أو أو.. لا مدىً لكلِّ هذا، فقسمُ (الطوارئ) باتَ في المستشفى كاملاً، إلَّا أنَّه قد قُصِفَ كاملاً إن أبصرت!

فأينَ ما ندرسُهُ في كتبِ الطبِّ من احترامٍ للمنشآتِ الصحيَّة، وما الإجرامُ الذي يرتكبُهُ ممارسو المهنةِ الإنسانيَّةِ، فَبأيِّ عذرٍ جعلتُم من الملاكِ الأبيض رماديَّاتٍ هامدةً على الأنقاضِ، خِبتم وخابَ مسعاكُم، فواللهِ ما زادوها إلّا رفعةً وتشريفاً.

هذا كلُّه وأتحدث عمّا يتّسِعُ الوصفُ للحديثِ عنهُ، أمَّا فهناك من هم تحتَ حياةٍ ما هيَ بحياة!

تحتَ قصفٍ وتشريدٍ ونزوحٍ وتجويعٍ يُكابدون في الحصولِ على مُسلَّماتِهم التي باتت حلمَ كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، هذه غزَّتي لها ربِّي الذي لا يُردُّ على بابِهِ أحدٌ، فهوَ القادرُ والمُنعمُ بيدِهِ الأمرُ كلُّهُ، وهذا أنا أنتهي من عاميَ الثالثِ وأستقبلُ الرَّابعَ ولا أدري حقّاً هل انتهينا أم بدأنا؟

رابط مختصر:https://palfcul.org/?p=12372

Font Resize