الحَربُ تقتُلُ نُسخَتَنا الأصليَّةَ! وَتَمحو هُويتَنا الحقيقيَّةَ، وَتحرِّكُنا إِلَى مَصيرٍ مكتوبٍ عَلَى جَبينِ سَمائنَا الحَمراءِ الدَامية!
نَشيْبُ وَنكْبرُ، وَينجلي عُمرُنَا بِغزَارةٍ! من يوقفُ صُنبورَ الحياةِ؟!
فِي الحَربِ تتوهُ خُطَانَا، ونخيِّطُ مَسْرَحَ أَحلاَمٍ لَنا، نَهرُبُ فِيهِ مِنْ تَعبِنا، هَلاَكِنا، ظَلاَمِنا.
فِي الأَمسِ تُخبرُني عَابِرةٌ: في احْدَى لَيَالِي مَارِس، رُبَّما فِي لَيلةِ مِيْلاَدِكَ، سَتهبطُ غَيمةٌ عَلَى سَماءِ قلبِكَ، وَتَمْسحُ غُبَارَ الحَربِ اللَّعينةِ عَنْكَ، وَسَتصْحو مِنْ حُلمٍ فِي حَدَائِقِ جِنانٍ. حُلُمٍ تُعيدُ فِيْهِ نُسْختكَ الأصليَّة!
عَلى حِينِ غَفلَةٍ أَصْحو مِنْ نَوْمي كُلِّيْ خُدُوشٌ، تَضيقُ أَنفَاسِي، وَتُهرَعُ أَصْوَاتُ المارَّة: يوْجَدُ هُنَا أحَدٌ عالقٌ تَحْتَ رُكامِ السّقفِ.. أنقذوهُ بسرعة!
أَتحَسسُ جَسدي! كُلِّي شَظَايا! الدِّمَاءُ تُغرقُني، تُغرِقُ الحِجَارةَ بِشلاَّلٍ أَحْمَرَ، وَتعكِسُ حُمْرَة السَّمَاءِ عَلَيه!
مَنْ يُلَمْلِمُ دِماَءً تشرَّبتها رِمالُ الأرضِ المُنْهكة؟
مَنْ يُغلقُ فُوهةَ جُرحي؟!
عَلَى أَنقاضِ مَنزلي أذرِفُ مَا تبقّى مِن نُسخَتي الحقيقيَّةِ، لأِتَحوَّلَ إِلى دُميةٍ سَاكِنةٍ، دُميةٍ كَتُحفِ العَرائِسِ، لاَ يلمحُها سِوَى جَوْعى الحُروبِ! يَأْخذونَني لِيسدُّوا رَمقَهُم الأَخير، كَيْ لا يُبعثوا إِلَى المَثوى الأخير!
جَوْعى الحُروبِ ليْسوا حقيقييِّنَ، لقَد مَاتوا ورجعوا مُجدَّدًا بِنُسخٍ بَاليةٍ عَارِيةٍ، سكرى ثَملةٍ، مُخيفةٍ إِلى حدٍّ لا فِرارَ منه.
هُنَا.. أَبْحثُ عَنْ إِبرةٍ عِملاَقةٍ وَسَطَ فُتاتِ البُيوت، أَدرزُ أيّامًا بيضاءَ، بِخَيطٍ أَسْوَدَ، لا يَمْنعُني فِي نِهَايةِ الطَريقِ مِنْ إِقَامةِ عَزاءٍ عَلَى أَطْرافِ المدينةِ السُّفليَّةِ! حَيْثُ النُّسخُ غيرُ الحقيقيَّةِ!
أَنَا هُنَا أَنتظرُ لَيْلةَ المِيلادِ لِأُشعِلَ شَمَعَة النَّصر!
شَمَعَةَ الاحتِفَاءِ بِعوْدتي مِن دَهشَةِ الحُروب.
رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12930