من بعدي ستورقُ في حديقتِنا الصَّغيرةِ شجيرةُ كرزٍ، وسنقطفُ ثمارَها في آخرِ الصَّيف!
من بعدي ستنشبُ حربٌ أخرى على غزَّةَ أو على ليبيريا، وسينظرُ قضاةُ العدلِ الدولية في قضيةِ إبادةٍ أخرى.
سيجتمعُ القادةُ والسَّاسةُ مرتدينَ ملابسَهم السَّوداءَ الرَّسميةَ جدًّا، وسيستغرقونَ في أحاديثَ رسميةٍ طويلةٍ جدًّا، وسيشدُّ قادةُ مؤسساتِ الأممِ المتحدةِ شعورَ رؤوسِهم لانَّهم لم يستطيعوا شيئًا حيالَ بلطجةِ الدولِ الكبرى وسيبكي قادةُ المؤسساتِ الإنسانية والحقوقيةِ بحرقةٍ؛ لأنَّهم لم يستطيعوا أن يصونوا ولو مرةً واحدةً ما قالوهُ ألفَ مرَّةٍ عن حقوقِ الإنسانِ وحمايةِ الفقراءِ، وقهرِ الاضطهادِ وما قالوهُ عن حقوقِ الطفلِ وحقوقِ المرأة.
من بعدي ستنطلقُ مظاهرةٌ أخرى غاضبةٌ صاخبةٌ مندِّدةٌ بالاستعمار، بالاستيطان، بالعنصرية وتبكي طفلةٌ في السابعةِ من ألمِ حريقِ قنابلِ النابالم على جسدِها النَّحيلِ.
من بعدي سيُستَشهدُ جامعُ وجدارُ كنيسةٍ، وسيبكي موجُ البحرِ اختفاءَ الصروحِ الشَّاهقةِ من على شاطئِهِ المستباحِ، وسيبكي الآباءُ صغارَهم -الذين قتلتهم الطائرة الغدارة- كما تبكي الفقمة!
من بعدي ستكونُ كومونة باريسَ أخرى، وسيبحثُ طفلٌ في الخامسةِ عن والديهِ وأشقَّائِهِ على الشَّاطئِ الباكي، وستجدُهُ فتاةُ المساعداتِ الدَّوليةِ ورجلٌ طيِّبٌ مجهولُ الهُويَّة.
من بعدي ستبيعُ النِّساءُ ما تبقّى من مصاغِهنَّ القديمِ؛ كي يُطفئنَ جذوةَ شرهِ السَّماسرةِ والمرابينَ وقوَّادي الأزماتِ، كي يساعدهنَّ محتالٌ على الهربِ بصغارِهنَّ من نارِ الحربِ الموقدةِ.
فمن ذا الذي اخترعَ أسطورةَ أنَّ انتصارَ الحقِّ حتمية؟
من ذا الذي اخترعَ أسطورةَ أنَّ التاريخَ لا يُعيدُ نفسَهُ؟
من قالَ إنَّ حركةَ التاريخِ ليست دائرية؟
من قالَ إن الوحشيةَ والتَّوحشَ ليسا أزليين؟
وإنهما لا يعيدانِ نفسيها؟
من بعدي
سياتي من يكتبُ ما كتبتُ؛ ويدّعي ما ادّعيتُ، عن الحربِ تلك وعنِ المجزرةِ، تلك عن الهمجيةِ، عن أقصوصةِ وخرافةِ القانونِ الدولي، والعطفِ الدولي والأزل الدولي والبلطجية الدولية!
من بعدي
ستنشبُ حربٌ أخرى.. ولن ينجو أحد!!
رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12329