في طريقِ الحياةِ ليسَ ثمَّةَ ما هوَ أسهلُ من أن تتعثَّرَ خطواتُنا؛ ونحنُ نسيرُ في دروبِ الألمِ والعناءِ، عندَما كنتُ أمضي قدماً في هذا الطريقِ الموحشِ الطويلِ، محمَّلاً بهمومٍ ثقيلةٍ كجبالٍ شاهقةٍ تحاصرُني في أيَّامِ الفراقِ والحزنِ، كما تحاصرُ الرياحُ الجبالَ الشَّاهقة.
عشتُ فصولاً طويلةً من النِّضالِ والكفاحِ، ليسَ من أجلِ أن أنتصرَ على عدوٍّ لئيمٍ خارجيٍّ، بل من أجلِ أن أغالبَ وأغلبَ نفسي، وأستعيدَ ما تبقّى منّي وسطَ الرُّكامِ المثخَنِ بالجراح.
وبينَما كانت روحي في لحظاتِ السُّكونِ تنزفُ آلاماً وجراحاً لا تُرى، كانَ الفراقُ قد سبقَهُ في رسمِ ملامحَ عذابٍ لا تنتهي، تملأُ كلُّ جوارحي وأحاسيسي بوداعٍ قاتلٍ يشبهُ نصلَ سكّينٍ حادٍّ يخترقُ أعماقَ أعماقي النازفة.
وفي كلخطوة خطوة نحو هذا الغد الأفضل المنتظر؛ كانت حياتي المتعثرة تبدو كمغامرة�� في أرضي غريبة تملؤها الكآبة والإحباط، كانت تشعرني أحيانا أنو الفراق الموعود ليسليس مجردال انفصال جسديجسد عمن أحبمن أصدقائي وأحبابي، بل إنهذا الفراق الظالمظ قد تحو إلى تمزقق يمزق بمرارة نسيج.
كانت وما زالت الذكرياتُ تلاحقُني كطيفٍ منتقمٍ منَ الماضي، لا ينفكُّ يذكِّرُني بمن غادروا وتركوا خلفَهم فراغاً لا يمكنُ لأيِّ شيءٍ أن يملأَهُ.
لكلِّ جرحٍ كان قد أصابَني ولوَّعَني، ولكلِّ معركةٍ من معاركي القاسيةِ التي خضتُها، ولكلِّ السِّهامِ الحادَّةِ التي أطلقتْها الحياةُ تجاهي وواجهتُها حتّى استقرَّت عميقاً في جسدي وروحي حتَّى تكسَّرتِ النِّصالُ على النِّصالِ، حيثُ أصبحتُ نموذجَ المقاومِ الشرسِ ليسَ فقط للألمِ وحدَهُ، بل أيضاً مقاوماً لشعورِ اليأسِ والإحباطِ اللذينِ كانا يحاولانِ اقتحامَ قلبي.
ومعَ كلِّ جرحٍ قديمٍ أو جديدٍ، كانت قوَّتي الداخليةُ تتعاظمُ، وأصبحت مهاراتي الدفاعيةُ والهجوميةُ في تطوُّرٍ مستمرٍّ وكأنني أتعلَّمُ من كلِّ معركةٍ درساً لا يُنسى.
لقد خضتُ معاركَ الفراقِ والكفاحِ وحدي، وواجهتُ ليالياً طويلةً من الألمِ والوحدةِ، حيثُ كانَ القمرُ يشهدُ على دموعي التي لم تتوقَّفْ عنِ الانهمار، وعلى نضالي الصُّلبِ الذي لم يخفتْ وهجُ نورِهِ في تلكَ الليالي الحالكةِ السَّوداءِ، كنتُ أستمدُّ من أعماقي شعلةً لا تنطفئ، شعلةَ الأملِ والصُّمودِ، وعندَها أدركتُ جيِّداً أنَّ الكفاحَ هوَ جوهرُ الإنسانِ، وأنَّ الألمَ الذي نحملُهُ في ضلوعِنا هوَ ما يصنعُنا ويفولذُنا ويشكِّلُ هويتَنا.
ومعَ كلِّ جرحٍ نزفتُهُ؛ ومع كلِّ لحظةِ يأسٍ تجاوزتُها، كنتُ أزدادُ قوَّةً وصموداً، ولذلكَ لم يكن نصري في الانتصارِ على الآخرين، بل كانَ في التغلُّبِ على ضعفي، وفي القدرةِ على المضيِّ قدماً رغمَ كلِّ الصعوبات.
وها أنا اليوم، أقفُ على أعتابِ النَّصرِ، كبيراً في عينَي نفسي، رغمَ كلِّ الجراحِ التي تركتَها الحياةُ على جسدي وروحي، فأنا من صهرتْهُ المحنُ وعلَّمتْهُ الأوجاعُ كيفَ يكونُ الصُّمودُ، وكيفَ يكونُ النَّصرُ، ليسَ في الوصولِ، بل في الاستمرارِ بالرغمِ من كلِّ شيء.
رابط مختصر :https://palfcul.org/?p=14242