مالَ يتقافزُ في الهواءِ ملوِّحًا بعملاتِهِ المعدنيةِ فرحًا، يجري إلى دكانِ الخبَّازِ غيرِ مبالٍ بشيءٍ ممَّا يجري بالجوارِ، كلُّ همِّهِ الآن أن يلحق بالخبزِ وهوَ ساخنٌ ليأكلَهُ ويسدَّ بِهِ شعورَ الجوعِ بداخلِهِ، كانَ في أشدِّ لحظاتِهِ سعادةً؛ وهوَ ممسكٌ برغيفِهِ الصَّغيرِ الذي تخرجُ منهُ أبخرةٌ محملَّةٌ برائحةِ الزبدةِ اللذيذةِ، ممسكًا بالخبزِ وفي نفسِ اليدِ كانَ يمسكُ باقي قروشِهِ يشتمُّ ما بيدِهِ بتلذُّذٍ، وفجأةً من حيثُ لا يدري أُنيرَت السَّماءُ بضوءٍ أحمرَ دامٍ، أخذَ ينظرُ للسماءِ وهوَ ما زالَ ممسكًا برغيفِهِ، ظنَّها نهايةَ عالَمِهِ الصَّغيرِ، شرعَ يبكي ويهرولُ في كلِّ ناحيةٍ بقدميهِ الصغيرتينِ، محاولًا البحثَ عن حضنِ أمِّهِ ليحتميَ بهِ منَ النهايةِ، يبحثُ عن منزلِهِ الذي كانَ يومًا ما، لم يعِ بِهِ بيتًا جميلًا؛ لكنَّهُ لا يعرفُ معنى أن يكونَ البيتُ غيرَ بضعِةِ أحجارٍ مهشَّمةٍ مسقوفةٍ ببعضِ الأخشابِ تحميهِ هوَ وأمَّهُ من الأمطارِ، وتقيهِ حرارةَ الشمسِ، وحضنَ أمِّهِ الذي يدفئَهُ في البرد، تساقطت النيرانُ من السماءِ؛ وهوَ يراقبُ ممسكًا بالخبزِ، بينَها كتلةٌ كبيرةٌ من حديدٍ أخذَ يراقبُها بخوفٍ وهيَ تسقطُ، قبلَ أن تستقرَّ أعلى مبنى المستشفى القريبِ، ما إن تلامست مع سقفِ المبنى مرَّ جزءٌ من الثانيةِ في صمتٍ، قبلَ أن يدوّي صوتُ انفجارٍ وتطايرت نحوَهُ أحجارٌ مشتعلةٌ، حاولَ الفرارَ برغيفِهِ لكن لم يستطعْ، سقطَ على الأرض وهو ينازعُ الحياةَ! كي يبقى حتّى يلتهمَ الرَّغيفَ الذي لم يبرحْ يدَهُ، لكنَّ الحياةَ استكثرت عليهِ أن يحظى بطعمِ الزبدةِ اللذيذةِ المشبعِ بها الخبزُ على لسانِهِ، وبعدَ انقشاع الدخانِ والانفجارات وجدوهُ ملقًى على الارضِ بينَ الحطامِ وهوُ ممسكٌ برغيفِهِ لم يبرحْهُ، وما زالت الحياهُ بِهِ، نقلوهُ إلى مشفًى آخرَ وهوَ ما زالَ ممسكًا برغيفِهِ! حاولوا إنقاذَهُ ويداهُ لم تتركِ الرَّغيفَ، ماتَ، ماتَ ممسكًا برغيفِهِ وقروشِهِ الباقيةِ، ماتَ وهوَ فقط كانَ يريدُ الخبزَ.
رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12909