12 April, 2025

قناع – بقلم عزيز ريان

يواجهُ بياضاتِ قلبِهِ المتذبذبِ في بحثِهِ عن مادةٍ صالحةٍ ومميَّزةٍ لكي يكتبَ عنِ الرِّوايةِ التي طالعَها لأكثرَ من مرَّة.

يتربَّص بالحرفِ العالقِ أسفلَ المأساةِ التي سُمِّيَت – قسرًا وبشهادةِ العالمِ – إبادة.

يتملَّصُ من قناعِ الروائيِّ؛ وهوَ يجيدُ بألمٍ التَّنقُّلَ ما بينَ القناعِ الأوَّلِ العربيِّ: فلسطينُ عربيَّةٌ قالتِ العربُ ذاتَ عروبةٍ أُبِيدَت.

إنَّهُ زمنُ الإبادةِ قالَ “نور” وهوَ يُطلُّ عليهِ من بينِ ورقٍ: قناعٌ بلونِ السَّماء.

و”أور” الوجهُ المقابلُ لنور بشبقِ الاحتلالِ الذي يزيدُ الشَّكوى واللعبَ على قلبِ المحرقةِ الموثَّقةِ بكاميراتِ الهواتفِ الذَّكيَّة.

يعيدُ سطورَها، وهيَ التي تتزجّجُ بعطرِ الأرضِ التي يحبُّها: فلسطينُ ورام الله والقدسُ ولا يهمُّ يقولُ لقلمِهِ أن يكونَ ابنَ فلسطين ابن مخيَّمٍ فلا بأس. المخيَّمُ جزءٌ منها كما بقيَّةُ الأسماءِ والنُّعوتِ في التَّغريبةِ التي نحتَها حاتم علي ورحل.

لا يستطيعُ أن يكبحَ جماحَ المدادِ؛ وهوَ يقرِّرُ أن يكتبَ عن فلسطين، روايةً عن فلسطين. سيقولُ لنفسِهِ: لا شيءَ يقعُ بتلكَ الأرضِ الصُّلبةِ حدَّ البركان. كلُّ الهدوءِ العالقِ بشوارعِها وسكانِها يغري بقصيدةِ أو ملحمةِ الصمت.

جُنَّ قلمي؛ قالَ وهوَ يدقِّقُ في آلامِ الروائيِّ السجين. أليسَ من حقِّ الأسيرِ أن ينقلَ حرقتَهُ داخلَ سجنِهِ وسجنِنا. لا داعيَ لفلسفةٍ لا قيمةَ لها تحتَ وطءِ رائحةِ القتلِ الباردِ والرَّصاصِ الحيِّ وقنابلَ وصواريخَ مبيدةٍ. صورةُ طفلٍ نجا بقناعِ غبارِ الحربِ كما لو أنَّهُ يستعدُّ لعرضٍ مسرحيٍّ أو خرجَ من بلاتو فيلم ما. كأنَّ الكاميرات لها (فيلترات) خاصةٍ تخفِّفُ من تشظّي الموتِ البريء. ما للونِ المحرقةِ ولا الإبادةِ الحداثيةِ إلّا عزفٌ منفردٌ لإدوارد سعيد فوقَ بيتٍ كانَ وأرضٍ ستكون. باسمٌ وهو يفكِّرُ في روايتِهِ قبلَ فوزِها بالجائزةِ لا يفكِّرُ في شيءٍ إلّا في فكرةِ روايةِ بطلِهِ وفكرةِ روايتِهِ. لا يفكِّرُ إلّا في وسيلةٍ جديدةٍ لم يسبقْهُ إليها محمود درويش في تأريخِ الروايةِ الفلسطينيةِ التي حققَّت فوزَها الساحقَ مؤخَّرًا ولو على حسابِ أرواحِ أهلها.

يسجِّلُ وكفَّهُ ترتعدُ فهرسَ مقالتِهِ:

1.مقدمة: تمهِّدُ للنكبةِ والإبادة!

2.أثرالرواية الفلسطينية في دحض الروايةالصهيونية.

3.باسم قبلفوز يحصل على حريته ويحر كلالأسرى للعالم: العدوعار.

4.الحبُّ في زمنِ الإبادةِ: سماء إسماعيل حبُّ نور المخلص من تكون؟ فلسطين يا باسم؟ من أينَ واتتكَ الفكرة، وأنتَ لا ترى غيرَ جدرانِ معتقلِك؟

لهذه الدرجة قتلتَنا وقتلتَ عروبتَنا المبادة سلفًا. نقلت لنا قبحًا بجمالٍ، ولكنَّكَ لامست بعضَ ذرَّةِ إنسانيةٍ علقت بشريانِنا سهوًا. الكتابةُ قتلٌ ناعمٌ لمن يغرقُ في سباتِ عروبتِهِ وإنسانيتِهِ.

من قلبِ شفشاون بشمالِ المغربِ طاردَ “قناع بلون السماء” حتَّى حصلَ عليها من صديقٍ سافرَ صدفةً لمعرضِ الكتابِ بالرباط. شكرًا لدارِ الآدابِ وصاحبتِها المناضلةِ في إيصالِ صوتِ الشَّمس. لولاها لما قرأها ولا فكَّرَ في كتابةِ المقالةِ أو الخاطرة. يكملُ قرارَهُ قبلَ الجائزة! الإبادةُ بالبحثِ وقراءةُ الأدبِ الفلسطينيِّ المنسيِّ الذي لا يصلُ إلى العالم. تذكَّرَ الشَّاعرَ صهيب الذي أمطرَنا: يثقبُ الرَّصاصُ ثوبَ البحر.

رابط مختصر:https://palfcul.org/?p=14281

Font Resize