كانتِ السماءُ مليئةً بالغيومِ، ودرجةُ الحرارةِ تجعلُكَ تثقلُ ثيابَكَ قليلًا ذلكَ اليومَ، خرجَ ريانُ في ذلكَ اليومِ؛ ليحضرَ بعضَ البسكويتِ والشوكولاتة لهُ ولأختِهِ ريما، الفرحُ كانَ يزيِّنُ وجهَهُ كثيرًا وهو مقبلٌ إلى المنزلِ، وأختُهُ تقفُ أمامَ المنزلِ من بعيدٍ، ترفعُ يديها عاليًا؛ في الحقيقةِ لكي تودِّعَهُ! ما كانت ريما تخفضُ يديها حتى سقطَ صاروخٌ نسفَ المنزلَ وما حولَهُ عن بكرةِ أبيهِ بالكاملِ، لم يصدِّقْ ريانُ المشهدَ، وتتوالى الصَّدماتُ أكثرَ بسقوطِ عدَّةِ صواريخَ على مناطقَ قريبةٍ وبعيدةٍ منَ القطاعِ، إنَّها حربُ إبادةٍ بالكاملِ لذلكَ الشَّعبِ، دويُّ الانفجاراتِ يعلو كثيرًا، ريانُ يهربُ بأقصى سرعةٍ لديهِ، وهو يرى أمَّهاتٍ تصرخُ على أطفالِها في كلِّ مكانٍ، وآباءً واقفينَ في حسرةٍ علي ضياعِ أبنائِهم ومنازلِهم، أشلاءٌ متطايرةٌ هنا وهناكَ، ظنَّ هذا الطفلُ أنَّ يومَ القيامةِ هوَ اليومَ؛ يومَ يفرُّ المرءُ من أبيهِ وأمِّهِ، جلسَ الطفلُ ريانُ وحيدًا وسطَ الرُّكامِ والحطامِ والجثثِ التي تسقطُ أمامَهُ وتُزهَقُ أرواحُها بكلِّ وحشيةٍ، لكن لم يكنْ أمامَهُ شيءٌ يفعلُهُ، حتّى وجدَ شالًا عليه علمُ فلسطينَ أمامَهُ؛ فقرَّرَ أخذَهُ ولفَّ جبينَهُ بهِ، وبدأَ هنا قرارَ المقاومةِ والتَّحريرِ منَ الاستعباد.
رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12905