10 February, 2025

غَزَّةُ.. صُمودٌ لَا يَنْحَني – بقلم محمد نورالدين فكيرين


تَتَجَلَّى غَزَّةُ في مَحيَا الزَّمَنِ، لَوْحَةٌ مُتْقَنَةٌ رَسَمَهَا الأَلَمُ وَالأَمَلُ، تَرْسُمُ خُطوطَ الصُّمودِ عَلَى وَجْهِ الإنسَانِيَّةِ. هُنَاكَ، حَيْثُ تَلْتَقِي الأَنْقَاضُ بِجِرَاحِ التَّارِيخِ، تَسْكُنُ رُوحٌ لَا تَعْرِفُ الاِسْتِسْلامَ، تَتَجَذَّرُ فِي أَعْمَاقِ كُلِّ فِلَسْطِينِيٍّ. إنَّ غَزَّةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ أَرْضٍ تُحْتَلُّ، بَلْ هِيَ شَرَفٌ مَرْفُوعٌ فِي وَجْهِ الطُّغَاةِ، وَقَصِيدَةٌ تُكْتَبُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ حُرُوفِ المَعَانَاةِ وَالأَمَلِ.

هُنَاكَ، يَتَحَدَّثُ البَحْرُ بِلهْجَةِ أَبْنَاءِ الأَرْضِ، يَحْمِلُ نَغَمَاتِ صُرَاخَاتِهِمْ المَجْبُولَةِ بِالأَلَمِ، وَيَرْسُمُ بِمَدِّهِ وَجَزْرِهِ مَشَاهِدَ النِّضَالِ. فَكُلُّ مَوْجَةٍ تَتَكْسَرُ عَلَى صُخُورِ الشَّاطِئِ هِيَ دَعْوَةٌ لِلْمُقَاوَمَةِ، هِيَ صَرْخَةٌ تَنْادِي إِلَى الحَيَاةِ رَغْمَ كُلِّ المَحَنِ. تُعِيدُ غَزَّةُ لِلْأَذْهَانِ صُورَ البَطُولَةِ، حَيْثُ يَمْتَزِجُ الحُزْنُ بِالفَخْرِ فِي نَسِيجٍ يُحَاكِي عُمقَ الكَرَامَةِ.

تِلْكَ هِيَ شَوَارِعُهَا الَّتِي شَهِدَتْ طُفُولَةً لَمْ تَكْمُلْ، وَأَحْلَامًا قُيِّدَتْ فِي ظَلامِ الدُّمَارِ، لَكِنَّهَا، مَعَ ذَلِكَ، لَا تَزَالُ تُنْجِبُ الأَبْطَالَ. مِنْ هُنَا، مِنْ قَلْبِ المَعَانَةِ، يَنْطَلِقُ الشَّبَانُ إِلَى مَعَارِكِ الوجُودِ، مُعَلِّنِينَ أَنَّ الْوَطَنَ لَا يُخْضِعُهُ السِّلاحُ بَلْ يُحَفَّظُ بِإِرَادَةِ الأَحْرَارِ. وَفِي أَعْيُنِهِمْ، تَلْمَعُ عِزَّةٌ تَتَجَاوَزُ الأُفُقَ، وَتُشْرِقُ شُمُوسٌ تُعْلِنُ عَنْ فَجْرٍ جند.

تَحْتَ الأَنْقَاضِ، تَنْبُضُ الحَيَاةُ بِحِكَايَاتِ الأُمَّهَاتِ، الَّلواتِي يُعَلِّمْنَ أَطْفَالَهُنَّ أَنَّ الحَيَاةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ بَقَاءٍ، بَلْ هِيَ كِفَاحٌ مُسْتَمِرٌّ مِنْ أَجْلِ الكَرَامَةِ. يُقَابِلْنَ كُلَّ يَوْمٍ بِشُمُوخٍ، مُكافِحَاتٍ فِي وَجْهِ التَّحَدِّيَاتِ، يَنْقُلْنَ لَهُمْ مِيرَاثَ الفَخْرِ وَالمُقَاوَمَةِ. إنَّهُنَّ يَزْرَعْنَ فِي قُلُوبِهِمْ شُعَلَةَ الأَمَلِ، فَيَتَحَوَّلُ الأَلَمُ إِلَى طَاقَةٍ تَدْفَعُهُمْ نَحْوَ مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ.

وَفِي سَمَاءِ غَزَّةَ، تَرْفُرُفُ الأَعْلَامُ عَالِيًا، تُعْلِنُ عَنْ وَحْدَةٍ حَقِيقِيَّةٍ تُعَانِقُ قُلُوبَ الفِلَسْطِينِيِّينَ. تَجْتَمِعُ الأَصْوَاتُ مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصُوبٍ، مُصَدِّرَةً رِسَالَةً لِلْعَالَمِ: لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى إِرَادَةِ الحَيَاةِ. هَذِهِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ تُقَالُ، بَلْ هِيَ حَقيقةٌ نَعِيشُهَا، نَبْنِي بِهَا غَدًا يَليقُ بِأَحْلَامِنَا، فِي ظِلِّ حُرِّيَةٍ تَتَجَاوَزُ حُدُودَ الأُفُقِ.

فَلْنَحْتَفِلْ بِتُرَاثِ غَزَّةَ، وَلْنَكْتُبْ مَعًا فِي مُوسُوعَةِ غَزَّةُ كِفَاحٌ وَجِرَاحٌ، لِنُؤَكِّدَ أَنَّ المُقَاوَمَةَ لَيْسَتْ فِعْلًا يُمَارَسُ فَقَطْ فِي الْحُقُولِ، بَلْ هِيَ فِكْرٌ وَوُجْدَانٌ، وَثَقَافَةٌ تُغَذِّي الرُّوحَ. لنُشَارِكَ بِمِدَادٍ مِنْ حُبٍّ، وَلْتَكُنْ كَلِمَتُنَا سِلَاحَنَا، نَصُوغُ بِهَا مُسْتَقْبَلًا يَحِقُّ لَنَا أَنْ نَفْتَخِرَ بِهِ.

غَزَّةُ، نَحْنُ مَعَكِ، وَمَهْمَا قَسَتِ الظُّرُوفُ، سَتَبْقَى دَائِمًا رَمْزًا لِلصُّمودِ وَالنِّضَال!

رابط مختصر:https://palfcul.org/?p=14328

Font Resize