غزَّةُ… تلكَ المدينةُ المتلبِّسةُ بالعشقِ، عشقِ الحريَّةِ والاستقلالِ والحياةِ الكريمةِ بعيدًا عن سطوةِ الاحتلالِ الإسرائيلي الغاشمِ فوقَ صدورِ أحلامِ وطموحاتِ أبناءِ هذهِ الأرضِ المباركة.
غزَّةُ تلكَ المدينةُ العجيبةُ التي لا تُكسَرُ ولا تُذلُّ ولا تُهانُ ولا تعرفُ معنى الهوانِ، تتلقّى الرُّعودَ في المساءِ وتُرسلُها في الصَّباحِ بكلِّ عنفوانٍ وبسالةٍ، لتسقطَ وسطَ حصونِ العدوِّ لتفتكَ بهم وتجعلَهم وسطَ جحيمِ الهلاكِ المستعرِ، بعدَ أن ظنُّوا أن لن يقدرَ عليهم أحدٌ، خصوصًا بعد اصطفافِ صفوفِ الباطلِ من الدولِ العظمى والمطبِّعةِ إلى جانبِهم وإسنادِهم بكلِّ أدواتِ الإجرامِ من أسلحةٍ متطورةٍ وتكنولوجيا دقيقةٍ تُستخدَمُ ضدَّ المدنيينَ العزَّلِ؛ في عمليَّاتِ الإبادةِ الجماعيَّةِ التي تفوقُ لغةَ المجازِ والبلاغةِ، والتي تُنفَّذُ في وضحِ النَّهارِ أمامَ أنظارِ العالمِ الأعورِ، حيثُ لم يبقَ فعلٌ سيِّئٌ إلَّا وقامَ بهِ هذا الكيانُ الهزيلُ في جرائمَ هيَ الأعنفُ ضدَّ الانسانيةِ وضدَّ القيمِ السَّماويةِ؛ بدوافعِ الحقدِ والكراهيةِ للإنسانِ العربيِّ المناضلِ الذي يرنو دومًا إلى التَّحرُّرِ من سطوةِ المحتلِّ.
غزَّةُ لم تنتظر البياناتِ الصَّفراءَ وعباراتِ الشَّجبِ والاستنكارِ التي سئمنا منها ومن ضجيجِها المسمومِ، بل خطَّت بدماءِ رجالِها؛ وصبرِ خنساواتها؛ ملحمةَ الدفاعِ عن الأقصى الشريفِ الذي يدنّسُ قدسيتَهُ بنو صهيون ليلًا ونهارًا من دونِ رادعٍ يوقفُ هذهِ المهازلَ بحقِّ أبرزِ مقدَّساتِ المسلمين.
غزَّةُ المدينةُ التي لا تُقهَرُ، بل إنَّ عدوَّها هوَ الذي يُقهَرُ ويُقبَرُ في رمالِها، فما كانت وتكونُ إلَّا مقبرةً لغزاتِها؛ ليكونوا عبرةً لغيرِهم، لأنها ترتدي ثوبَ التحدي والنضالِ والكفاحِ الخالدِ، لتعيدَ الأمجادَ التي ضاعت منّا في خضمِّ الانقلاباتِ الأخلاقيةِ والخياناتِ المتتاليةِ التي أنهكت جسدَ الأمة.
غزَّةُ التي تُفاجئُنا بكتابةِ التاريخِ، بإثبات هويتها، بوقوفِها بوجهِ أعتى الجلادين، كيفَ لا وهي التي وُلِدت منَ الجرحِ نفسِهِ، غيَّرتِ المعادلةَ، معادلةَ الانقسامِ الفلسطيني، معادلةَ التهويدِ والتهجيرِ القسري والخطوطِ الحمراء، بل رسمت خارطةَ الوحدةِ العربيةِ لأحرارِ أمَّتِنا وإعادةَ الرُّوحِ القوميَّةِ الجماهيريةِ في الدفاعِ عن القضيةِ بعدَما تلاشت بأفعالِ المتخاذلينَ والمُطبِّعين ، حيث وجدنا غزَّةَ تارةً يخوضُ أبناؤها البررةُ أعنفَ معاركِ التصدي للجيوشِ الغازيةِ متسلِّحينَ بقوةِ اليقينِ وعقيدةِ النَّصرِ المبينِ، وتارةً أخرى تدكُّ المدنَ المحتلَّةَ وتقابلُ الدَّمارَ بالدَّمارِ، وتارةً يأتي صوتُ الملثَّمِ صاحبِ الكوفيَّةِ الحمراءِ من بينِ الرُّكامِ ليحييَ رفاتَ النفوسِ، ويمنحَ العزَّةَ للقلوبِ، ليقرأَ علينا بشرياتِ البياناتِ بصوتِهِ الهادئِ المشحونِ بالثقةِ ورباطةِ الجأشِ والتفاصيلِ الدقيقةِ المدججةِ بالانتصاراتِ؛ فقد أصبحَ هذا الصَّوتُ لدى الملايين الطربَ المفضَّلَ الذي يحيي الروحَ بعد أن أصبحت كالرَّميمِ! وكلُّ هذهِ المشاهدِ هي مشاهدُ بطوليةٍ مهيبةٍ سطَّرَها من يؤمنُ بربِّهِ حقَّ اليقينِ وبقضيتهِ التي لا تنازلَ عنها ولا مهادنةَ فيها بعد المضي نحو طريقِ التحريرِ الشَّاقّ، والتيقُّنِ بشكلٍ جازمٍ أنَّ نصرَ الرَّحمنِ سيتجلّى في معركةِ الطُّوفانِ بالتحامِ الأحرارِ حولَ قضيتِهم المشروعة.
فسلامٌ عليكِ في كلِّ لحظةٍ وحين.. منَ النَّارِ والحصارِ.. ومن بطشِ الأشرارِ.. وتخاذلِ الأعرابِ الفجَّارِ، وأنتِ تدوسينَ كلَّ هذا العالمِ الأحمقِ المطأطئِ الرأسَ بأقدامِكِ الطاهرة!!
يا أيَّتُها المنفردةُ في جمالِكِ، في خصالِ أفعالِكِ، في حزنِكِ، في بسالتِكِ، المنتصرةُ قبلَ أن تنتهي المعركة! يا أيتُها العتيدةُ، العنيدةُ الوليدةُ، الصابرةُ، المجيدةُ! يا كعبةَ الجهادِ، يا قلعةَ العزِّ، يا إعصارَ الثَّورةِ يا ملهمةَ الأحرارِ، يا منارةَ النَّصرِ والخلود.
رابط مختصر:https://palfcul.org/?p=12410