24 March, 2025

غزَّةُ العزَّةُ – بقلم فارس فروج

     شاءَ اللهُ أن تعيشَ أمَّتُنا في زمانِنا هذا أحداثًا صعبةً؛ تحقَّقت فيهِ العديدُ من الأمورِ التي تجعلُ المسلمَ إذا تأمَّلَ فيها وعاشَها بقلبٍ عقولٍ وقلبٍ حيٍّ؛ يسرعُ إلى حملِ البوصلةِ ووضعِ الخريطةِ على مائدةِ الواقعِ ليضبطَها على مسارِها الذي ينبغي أن تتجهَ إليهِ اهتماماتُهُ ومجهوداتُهُ التي يبذلُها في سبيلِ السَّيرِ إلى اللهِ، فإن هو عاشَ غفلةَ العقلِ وموتَ القلبِ؛ فلا شكَّ أنَّ مسارَهُ قد انحرفَ وبوصلتَهُ قد تعطَّلت وخريطتَهُ قد تمزَّقت.

       من هذهِ الأمورِ؛ أنَّ اللهَ بيَّنَ للناسِ أنَّ للقيادةِ التي تقودُ الأمةَ أثرًا في نصرتِها، وينبغي لهذهِ القيادةِ أن تكونَ على قدرٍ عظيمٍ من التكوينِ والخبرةِ والعلمِ والذَّكاء.

ومنَ الأمورِ أنَّ اللهَ بيَّنَ للناسِ؛ أنَّ الخذلانَ قد يكونُ من أقربِ الأقربينَ، وقد يصلُ بِهِ الحدُّ إلى أن تجدَ هذا الأقربَ لا يكتفي بعدمِ نصرتِكَ، بل يرتقي إلى محاربتِكَ وتكفيرِكَ والشماتِةِ بك.

ومنَ الأمورِ التي بيَّنَها اللهُ للناسِ؛ أنَّ هذا الجهادَ محفوفٌ بالدِّماءِ، وبتقديمِ العديدِ من الضحايا والشُّهداءِ، فالنَّصرُ لهُ ثمنُهُ وللهزيمةِ غرامتُها.

ومنَ الأمورِ التي بيَّنَها اللهُ للناسِ؛ أنَّ الأعداءَ معَ اختلافِ ألوانِهم وطوائفِهم يتحالفونَ في سبيلِ إسقاطِ الإسلامِ، ولو على حسابِ حقوقِ الإنسانِ والحريّاتِ والعدلِ والسَّلامِ، الذي بيَّنت غزَّةُ أنَّها مجردُ ادعاءاتٍ وافتراءاتٍ لا حقيقةَ لها إذا تعلَّقَ الأمر بوجودِها وسيطرتِها وفرعونيتِها، فذلكَ مقامٌ لا كلامَ فيهِ عنِ الإنسانيةِ؛ فلا مرحبًا بإنسانيةٍ لا تخدمُ مصالحَهم، ولا تحقِّقُ مآربَهم التوسعيةَ الجبروتية.

ومنَ الأمورِ التي بيَّنَها اللهُ للناسِ؛ أنَّ الصِّراعَ كلَّ الصِّراعِ هوَ على الدِّينِ بدرجةٍ أولى؛ فلا وجودَ لمن لا دينَ لهُ، ومن حقَّقَ دينَهُ فاحكمْ بوجودِهِ وكمالِ شخصيتِهِ.

ومنَ الأمورِ التي بيَّنَها اللهُ للناسِ؛ أنَّ النَّاطقَ بالحقِّ قد لا يكونُ من بني جلدةِ المظلومِ، بل قد يكونُ من بني جلدةِ الظالمِ، وهذا يعلِّمُنا كمسلمينَ الإنصافَ وعدمَ التسرُّعِ في تعميمِ الأحكام.

فعلًا غزَّةُ وحيٌ ربّانيٌّ؛ فتحَ عيونَنا وبصائرَنا على الطَّيِّبِ والخبيثِ، وما زالَ اللهُ يقيمُ على الناسِ دلائلَ وشواهدَ الحقِّ البارزةَ الساطعةَ الظَّاهرةَ حتّى تنقطعَ الحجَّةُ على أتباعِ الحقِّ والباطلِ؛ فلا يتبعُ الإنسانُ الحقَّ أو الباطلَ إلّا لتيقُّنِهِ إيّاهُ وإصرارِهِ عليهِ وعنادِهِ له.

نسألُ اللهَ الثَّباتَ على الأمرِ الذي يرضيهِ؛ والحمدُ للهِ على سنَّةِ البيانِ والهداية.

رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=13027

Font Resize