10 February, 2025

غزة كفاح وجراح – بقلم أسماء سعد فؤاد

غزَّةُ، تلكَ المدينةُ التي تواجهُ العواصفَ وتتحدّى الرِّياحَ، لا تنحني أمامَ الصِّعابِ. جراحُها ليست إلّا شاهدةٌ على كفاحٍ طويلٍ، كفاحٍ يروي قصَّةَ أمَّةٍ تعيشُ بينَ الأنقاضِ وتصنعُ منَ الألمِ طريقًا إلى الأملِ. لا تسقطُ غزَّةُ في الظَّلامِ، بل تسيرُ ببطءٍ وثباتٍ نحوَ نورٍ تعرفُ أنَّهُ ينتظرُها خلفَ كلِّ حطامٍ. في كلِّ حجرٍ من حجارتِها، صوتٌ ينادي بالحياةِ. غزَّةُ ليست مجرَّدَ مدينةٍ، إنّها روحُ الكرامةِ، أبطالُها هم الأطفالُ الذين يلعبونَ وسطَ الرُّكامِ، يضحكونَ وكأنَّ العالمَ لم يخذلْهم، يركضونَ على أرضٍ تحملُهم بألمِها وفرحِهم. كلُّ جرحٍ على أجسادِهم الصغيرةِ هو شهادةُ صمودٍ، وكلُّ نظرةٍ من عيونِهم تحملُ حلمًا بغدٍ أفضل.

في أسواقِ غزَّةَ وأزقَّتِها، تتمايلُ الأرواحُ فوقَ الحطامِ وكأنَّها تحكي للعالمِ: “نحنُ هنا” هناكَ، حيثُ الألمُ لا يغيبُ، تظلُّ غزَّةُ واقفةً، تشهدُ على قصصِ الفقدانِ، ولكنَّها أيضًا تشهدُ على الانتصارِ الصَّغيرِ الذي يتمثَّلُ في الابتسامةِ، في الحياةِ التي تستمرُّ. المرأةُ الغزَّاويةُ بصلابتِها وشموخِها، تصنعُ من الحزنِ طاقةً، تحيكُ منَ الألمِ ثوبًا من القوةِ لأطفالِها. الأمُّ التي فقدت كلَّ شيءٍ، تعلِّمُ أبناءَها كيفَ يقفونَ من جديدٍ.

الجديدُ في غزَّةَ ليسَ في جراحِها، بل في الطَّريقةِ التي تحملُ بها هذهِ الجراحَ بفخرٍ. كلُّ ندبةٍ تحكي عنِ انتصارٍ على الهزيمةِ، كلُّ ألمٍ يكتبُ فصلًا جديدًا في قصَّةِ صمودٍ لا تعرفُ النِّهايةَ. في كلِّ ليلٍ طويلٍ؛ تسمعُ همساتِ الأملِ، تلكَ الهمساتُ التي تُولَدُ من عيونٍ تنظرُ إلى السَّماءِ بتحدٍّ، وتقولُ: “لن ننكسر” وفي أحياءِ غزَّةَ التي تُزرَعُ بالصُّمودِ؛ تجدُ الأبَ الذي فقدَ ابنَهُ يزرعُ زيتونةً، كأنَّها وصيةٌ على الحياةِ، وكأنَّها وعدٌ باستمرارِ البقاء. أمَّا الجدَّةُ التي جمعت أبناءَ الحيِّ حولَها لتحكيَ لهم عنْ أيَّامٍ عاشتْها قبلَ أن يُغطِّيَ الحزنُ الأزقَّةَ، فهيَ تروي حكاياتِ البطولةِ بلغةِ الدَّمِ والصَّبرِ.

في غزَّةَ؛ الحياةُ تُخلَقُ منَ الرَّمادِ. كلُّ صباحٍ هو بدايةٌ جديدةٌ، وكلُّ ليلٍ هو جسرٌ نحوَ الفجرِ. حتّى لو تكاثرت الغيومُ، تظلُّ غزَّةُ تؤمنُ أنَّ الشَّمسَ ستشرقُ من جديدٍ، وأنَّ الحريَّةَ ليست حلمًا بعيدًا. غزَّةُ تُعلِّمُنا أنَّ الكفاحَ الحقيقيَّ لا يُقاسُ بمدى الانتصارِ، بل بمدى الصُّمودِ أمامَ الألمِ. إنَّها المدينةُ التي تحملُ جراحَها كما يحملُ الجنديُّ سلاحَهُ، تنتظرُ اللحظةَ التي تسقطُ فيها القيودُ وتعودُ لها الحريَّةُ التي سُلِبت.

غزَّةُ، بحكاياتِها التي تُكتَبُ بالدَّمِ والصَّبرِ، تظلُّ درسًا في عزَّةِ الإنسانِ وكفاحِهِ. والأطفالُ في مدارسِها يتعلَّمونَ معنى الحياةِ بطريقةٍ مختلفةٍ، يحملونَ حقائبَهم على أكتافِهم الصَّغيرةِ، ولكنَّهم يحملونَ في قلوبِهم أملًا أكبرَ. كلُّ معلِّمٍ يزرعُ في نفوسِهم حبَّ الوطنِ، ويغرسُ في عقولِهم فكرةَ أنَّ النَّورَ يأتي بعدَ الظَّلامِ، وأنَّ الفجرَ يشرقُ دائمًا بعدَ أطولِ الليالي.

وفي كلو بيتفي غزة؛ تجد: تجدروحا تصنعا الأمل

وأمًّا تعلِّمُ أطفالَها أنَّ الكرامةَ والحريَّةَ لا تُقدَّرُ بثمنٍ!!

رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=14152

Font Resize