في ليلِ الصَّمتِ؛ حيـثُ تتَلاطمُ أمواجُ القدرِ على شواطئِ التَّاريخِ، هُنَـاك تقبَـعُ غزَّةُ العِـزَّةِ، تِلكَ المديـنةُ العصيّةُ كأنَّها طائرُ الفينيق الذي ينهضُ من رمادِهِ، كلَّما اشتدَّت نيرانُ المحن، هيَ ليست مدينةً عابرةً على خارطةِ الدُّنيا، بل هي رمزٌ للفداءِ، وحكايةٌ لم تنتهِ فصولُها، تسطِّرُها الأجيالُ بدمائِهم، وترويها الرياحُ بآهاتِهم.
غزَّةُ؛ تلكَ البقعةُ، التي تَجَسَّدَ في صمتِها الهادئِ صوتٌ لا ينكسرُ، يقاومُ الطغيانَ كما يقاومُ الصَّخرُ رياحَ العاتياتِ، هي وردةٌ في حقولِ النَّارِ تتفتحُ رغمَ الرَّمادِ، وجمرةٌ تتوقَّدُ في قلوبِ أبنائِها، تصنعُ من الرَّمادِ جسرًا إلى الجنَّـةِ، حيـثُ لا عيـنٌ رأت ولا أذنٌ سَمِعت.
جراحُ غزَّةَ ليست كأيِّ جراحٍ، بل هي شامةٌ على جبينِ الكرامةِ، ترتسمُ على وجوهِ أطفالِها قبلَ كِبارِها، تكبرُ معهم في أعمارِهم وتزدادُ عمقًا، كلَّما ازدادت السنواتُ قسوةً، هيَ أشبهُ بالليلِ الذي يتلألأُ بنجومِ الأملِ، لكنَّها نجومٌ مخضَّبةٌ بدماءِ الشُّهداءِ، تروي أرضَها، وترسمُ حدودَها بمدادٍ من النقاء.
الكفاحُ في غزَّةَ ليسَ مجرَّدَ صراعٍ للبقاءِ، بل هو نشيدٌ يترنَّمُ بهِ الفجرُ كلَّ صباحٍ، وتردِّدُ صداهُ الأمواجُ المتكسرةُ على شواطئِها، كفاحُها يتخذُ من الصمودِ درعًا، ومن العزيمةِ سلاحًا، يقفُ في وجهِ كلِّ من أرادَ لها السقوطَ؛ فلا ينثني ولا يلينُ، كجبلٍ يقفُ صامدًا أمامَ العواصفِ، وكالبحرِ يثورُ إذا جارت عليهِ الأمواجُ.
غزَّةُ، تلكَ المدينةُ التي تنزفُ حروفُها على صفحاتِ المجدِ، هيَ قصيدةٌ كُتِبَت بالدَّمِ، وقُرِئت بالدُّموعِ، لكنَّها تأبى أن تكونَ النهايةَ، بل هي البدايةُ، بدايةُ حياةٍ جديدةٍ تتسطَّرُ على جراحِ الأمسِ، وتضيءُ دربَ الغدِ بنورِ الكفاحِ، حتَّى وإن كانَ الألمُ هو رفيقَ الدَّربِ.
في غزَّةَ، يكتبُ الزَّمنُ قصَّتَهُ بأيدي أبنائِها، أولئك الذينَ يعرفونُ أنَّ الجراحَ ليست سوى وسامٍ على صدورِهم، وأنَّ الكفاحَ هو قدرُهم المحتومُ، يشقّونَ بهِ دروبَ الحياةِ؛ ليقولوا للعالَمِ إنَّ غزَّةَ ليست مجرَّدَ مدينةٍ، بل هي قلبُ الأمَّةِ ينبضُ بالكرامةِ والإباءِ، ويعلِّمُنا أنَّ الأملَ يُولَدُ من رَحِمِ المعاناةِ، وأنَّ الحرِّيةَ لا تُمنَحُ، بل تُؤخَذُ باليدِ التي لا تعرفُ الاستسلامَ، وأخيرًا لَن نتـركَ غزَّةَ وحـدَها، نفديـكِ يا غـزَّةُ بكـلِّ غالٍ ونفيـسٍ.
رابط مختصر:https://palfcul.org/?p=12865