ونحنُ معَ الاحتفالاتِ بعيدِ الطّفولةِ الجميلِ لا يسعُ قلبي سوى التّفكّرِ مليًّا في حالِ أطفالِ غزَّةَ الذينَ تُبادُ طفولتُهم أمامَ أعينِنا، فيصبحُ هذا العيدُ في نظري كلوحةٍ زيتيَّةٍ محروقةٍ، لم أجد في قلبي مكانًا لفرحةٍ وهذا الذّوقُ المرُّ لجراحِهم يجعلُ حلقي جافًّا، وتصيرُ لهُ روحي متزعزعةً كقطعةِ أرضٍ شُقَّت من باطنِها، وعقلي يغيبُ ولا يعودُ إليّ.
لا أهضمُ كيفَ يثبُ هذا العالمُ اللعينُ أمامَ إخوانِنا في فلسطين؛ وهم يعدونَ أشلاءَ صغارِهم من تحتِ الأنقاضِ، ويودِّعونَ أكبادَهم على عرباتِ البضائعِ، ويكدِّسونَ أحبَّتَهم في ثلّاجاتِ الأيسكريم، ويطهونَ الخبزَ على الحطبِ، ويطالعونَ ديارَهم التي صارت رمادًا بعينٍ آسفةٍ، وفوقَ كلِّ هذا يعرِّيهمُ الخذلانُ العربيُّ! ما أوجعَ أن يرقصَ العربُ على جنائزِ الشُّهداءِ الطَّاهرةِ! يضاحكونَ بعضَهم في وقتٍ ماتَ فيهِ كلُّ شيءٍ! فعلًا لا يقسمُ الظَّهرَ إلَّا الخِذلان.
فلم يعدْ صوتُ الحربِ مرعبًا كصمتِ هذا العالمِ الذي صارَ يرقصُ تحتَ أضواءِ الذَّنبِ بلا خجلٍ، ويرفعُ شعاراتِ الإنسانيّةِ المزركشةِ، وحينَ يتعبُ يضعُها جانبًا، يتعرَّى من زيفِهِ ويظهرُ بكاملِ حقائقِهِ على الشّاشاتِ، ثمَّ ينامُ على جنبٍ مريحٍ، ويطفئُ داخلَ حجرةِ ضميرِهِ الصُّراخَ الحقيقيَّ لأطفالِ غزَّةَ، لأشلائِهم التي هزَّت كيانَنا الباردَ، ماذا سنقولُ لتلكَ الأشلاءِ الغضَّةِ التي دهستْها عرباتُ الظُّلمِ، ماذا سنقولُ لذاكَ الأبِ الذي سجدَ أمامَ فتاتِ صغارِهِ وقشَّرَ أبوّتَهُ قطعةً قطعةً ليسمعَنا عذابَ الفقدِ وقلّةِ الحيلة، ماذا سنقولُ لرضيعٍ خرجَ إلى الدّنيا باكيًا ليعودَ منها مفجوعًا ممزَّقًا، ماذا نقولُ لأمٍّ ترتجفُ بينَ الجثثِ بحثًا عن صغيرِها آملةً ألّا يكونَ منهم لتضمَّهُ، تشمَّ أنفاسَهُ، تمسحَ الغبارَ عن قلبِهِ الصَّغيرِ، وتوقفَ العتمةَ من عينيهِ، ماذا نقولُ لتلكَ الأرواحِ الصّغيرةِ النّاجيةِ وصدى الدَّمارِ في أذنيها لا تطمرُهُ صحبةُ الألعابِ، ماذا نقولُ لارتعاشِ الرُّوحِ، وهزَّاتِ الطُّفولةِ، وانفجاراتِ الخديعةِ، وعواصفِ التّواطؤِ، ماذا نقولُ لجراحِهمِ، لبكائِهم، لضعفِهم، ماذا سنقولُ لهم جميعًا ونحنُ هنا قد متْنا موتةً قاسيةً، موتةً ممزوجةً بالحياةِ فلا نحن متنا ولا نحن على قيدِ الحياةِ، نحنُ في المنتصفِ تمامًا، لا ننتمي لرقعةٍ واضحةٍ، ولا موقفَ واضح، ماذا نقولُ للطُّفولةِ التي صارت مثلَ الرَّمادِ نستنشقُ سوادَها مع الهواءِ لتتّسخَ عروبتُنا التي نزعمُ جميعًا أنَّ رايتَها لا تزالُ بيضاءَ، ماذا نقول ؟؟!!!
رابط مختصر:https://palfcul.org/?p=12280