6 December, 2024

على أبوابِ الوطن – بقلم سمية حامد

أسيرُ في الطُّرقاتِ هائمًا على وجهي، أُفَتِشُ على أبواب الأوطان عسايَ أجدُ المستقرَّ والأمانَ، عسايَ أجدُ وطنًا أشعرُ بالحمايةِ في كنفِهِ، أنامُ فيهِ وأنا قريرُ العينِ مطمئنُّ البالِ، لا أخشى من فقدانِ حياتي وحياةِ أحبابي.

لكنّي وأنا أحاولُ العثورَ على وطنٍ يؤويني وجدتُ نفسي دونَ تخطيطٍ أعودُ أدراجي، أعودُ إلى ذلكَ الوطنِ الذي تفوحُ منهُ رائحةُ البارودِ، ذلكَ الوطنُ الذي جعلَ من كتفي نعشًا لكثرةِ ما حملَ من شهداء! أعودُ لوطنٍ أصبحَ أكثرَ لحنٍ يتناهى إلى سمعي فيهِ البكاءُ ونواحُ النِّساءِ والأطفالِ، وطنٌ يقضي عيدَهُ تحتَ سقفِ الخيمةِ بعزَّةٍ لا تنفكُّ عنهُ رغمَ ما يخالطُها من عناءٍ ومشقَّةٍ.

إنَّهُ وطنٌ جمعَ بينَ الشَّقاءِ والراحةِ في جنباتِهِ، فتجدُ رائحةَ الدِّماءِ تغمرُ الأرجاءَ، لكنَّ أشجارَ التُّفاحِ والزَّيتونِ ما زال عبيرُها يفوحُ في كلِّ مكانٍ.

وتلكَ الزنانات التي تلوثُ الآذانَ وتُخرجُ الإنسانَ عن طورِ تعقُّلِهِ من فرطِ الإزعاجِ؛ يقاومُها الحسونُ ويصدحُ عاليًا بالتَّغريدِ حتّى لو كان حزينًا.

ورغمَ أنَّ الحكاياتِ أصبحت عن فقدِ الأحبَّةِ والجيرانِ، إلّا أنَّ الجدّاتِ والجاراتِ ما زلنَ يحكينَ عن جمالِ الوطنِ وقصصِ مجاهديهِ الأسطوريةِ، يحكينَ عن إيمانِهنِّ بالنَّصرِ، وأنَّ ثباتَهنَّ لم ولن يتزعزعَ ولن يتركنَ الوطنَ ويهاجرنَ. وعن فلذاتِ أكبادهنَّ الذين استُشهِدوا بنفسٍ راضيةٍ، ويقلنَ في بشاشةٍ: “الله يسهل عليكو يُما”.

أعودُ لوطنٍ يصنعُ مواطنوهُ لأنفسِهم حياةً من قلبِ الموتِ، سأعودُ يا وطني وأنا محمَّلٌ بالخوفِ والفخرِ والعزَّةِ، سأعودُ يا وطني أعانقُ الأملَ في النَّصرِ من جديدٍ، سأعودُ إليك لأنَّ مستراحي في جنباتِكَ الحزينةِ، ولأنّي أعرفُ أنَّ الشَّهادةَ نصرٌ عظيمٌ، ولأنَّكِ غزَّةُ لستِ وطنًا كباقي الأوطان، ومهما فتَّشتُ عن وطنٍ يؤويني فلن أجدَ سواكِ وطنًا تُعدُّ كلُّ لحظةٍ للعَيشِ فيهِ انتصارًا، فإمَّا جهادٌ وإمَّا استشهادٌ!.

رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12964

Font Resize