أنا أُحدِّثُكم عن الحبِّ!
عن فلسطينَ في هذهِ الأيَّامِ المشرقةِ
بذهولِ “يوم المُجاهِد” عندَنا.
اجتاحَ كالنَّحلِ ذلكَ المنتصرُ
ليفتحَ موسمَ العسلِ
هوَ الذي فوقَ الرؤوسِ جميعًا
فوقَ المكانِ الأجملِ
فوقَ كلِّ ما رأينا في الدُّنيا
هناكَ، من حيثُ تشرقُ الشَّمسُ بدا ربيعًا
هذا الخريفُ الذي سيُحْكَى عنهُ بعدَ ألفِ عامٍ.
أصبحت فلسطينُ كلَّ الأرض
برغبةٍ هائلةٍ لتكونَ سماءً
فقدِّموا لها الكلماتِ يا من تُحسنونَ التَّعبير
فإنَّ الكلماتِ تتمدَّدُ كطلقاتِ النَّار.
الفلسطينيُّ لا يحملُ غيرَ اسمِهِ!
لا الماءَ لا السَّماءَ لا اللونَ الورديَّ نفسَه أو الصَّباح.
المخيَّمُ حيثُ يقفُ كبرجِ مراقبةِ يبدِّلُ الأرواحَ أكبرُ اسمٍ له.
عرفتُ الفلسطينيَّ منذَ الهياجِ العاطفيِّ في الشَّبابِ
ليسَ الذي يعيشُ في الخيامِ ويحملُ البندقيةَ
بل من يحملُ الفرصةَ الثانية
لكنَّهُ ودَّعَني الوداعَ الأخيرَ من الضيعةِ التي وُلِدَ فيها
من فلسطين
كأنَّ روحَهُ تحمي روحَها من تجاوزِ العتبة.
*
الفلسطينيُّ يؤذيهِ الرِّفاقُ
حينَ يتطلّعونَ مباشرةً إلى عينيهِ
ويقطعونَ ثمارَ العلّيقِ حكماً عليهِ
بالخطواتِ الواسعةِ بينَ كتفينِ
بينَ ذراعينِ إلى جانبيهِ لم تحضناهُ بلهفةِ المشتاقِ.
*
هناكَ نغمةٌ في اسم ” فلسطيني”
هذهِ النغمةُ قادرٌ على سماعِها من يؤدّي واجبَهُ
من يحبُّهُ فحسب.
ليسَ للفلسطينيِّ زمنٌ، إنَّهُ ينبعثُ في كلِّ وقتٍ.
ليسَ للفلسطينيِّ ذكرى، هوَ كلُّ التَّاريخِ
ينبثقُ من كلِّ عتمةٍ نورًا
من البداياتِ جديدًا
من اليومِ ظلًّا في الأرضِ
ليسً للفلسطينيِّ فصلٌ
طولَ الفصولِ وطولَ الشُّهورِ مُستـَغْرِقٌ الفلسطينيُّ في ريعانِ الحياة.
يا عودةَ تشرين! أكثرُ من سحابةٍ تدفعُ سحابةَ قبلَها!
أكثرُ من موجةٍ تسحبُ موجةً لضفةٍ أخرى ولا ينتظر.
لا ينتظرُ الفلسطينيُّ هذا العالمَ حتى يعودَ للذاكرةِ.
الفلسطينيُّ أمسِ واليومَ وغدًا ينبضُ دمُهُ في الصلصالِ
ينضجُ في ذوبانِ الثلوجِ
حيٌّ في الشِّتاءِ
فرِحٌ في الرَّبيعِ
في الصَّيفِ يقطرُ عرَقًا فيتلألأُ تلألؤَ السَّماءِ بنجومِها.
يأتي الخريفُ وليس للفلسطينيِّ غيرُ الانتهاءِ من لوثةِ الحياةِ.
سعيدًا برصاصةٍ تستقرُّ في الصدرِ تمجيدًا للموتِ
ليسَ لهُ بعدَ ذلكَ غيرَ انصرافِهِ لجنَّةِ الخلدِ فرحاً بالشَّهادةِ.
كنتُ أودُّ لو تعاونتُ معَهُ
باليدِ
بالبصرِ
بالفمِ يطلقُ الصفيرَ
لو جئتُ من بعيدٍ، من رحيلٍ
وعاودتُ السَّؤالَ عن كلِّ شيءٍ باقٍ على أصلِهِ فيهِ
ثمَّ هناكَ حروفُ الكتابةِ
من سلالةِ الورقِ الصَّامتِ
وهناكَ الحبرُ الأسودُ مكنونٌ في البقعِ
نستعيضُ بهِ عن السُّؤالِ
ثمَّ،
هناكَ ألفُ امرأةٍ من غزَّةَ
يتناقلنَ سردَهنَّ بحسرةٍ محمومةٍ
فالرَّصاصُ يقدحُ تحتَ جنحِ الليلِ
ولسْنَ برشاقةِ الفراشاتِ
وعلى مسمعِ كلِّ هذهِ الحكايةِ
وتحتَ بصري
أشدُّ ما في القسوةِ على كلِّ هؤلاءِ النِّساءِ منَ العدوّ
أن أدخلَ في ملاذِ هذا الرَّذاذِ الخفيف
يكسو رغبتي
وحدَهُ الحزنُ المخزنُ الكبيرُ
وهذا الكلامُ لا يهرعُ لإنقاذِ حتى أخيلةِ الأجنحة.
https://palfcul.org/?p=14186 :رابط مختصر