9 February, 2025

صرخاتُ وطنٍ – بقلم ماهر قاسم محمود

آلاملا تنسى مصبوغة بذكريات مريرة

إن أردتَ أن تبحثَ عن الوطنِ فابحثْ عنهُ في دمِ الشُّهداءِ، وإن أردتَ أن تعرفَ حالَهُ فشاهِدْ ملامحَ الأبرياءِ، وإن أردتَ اكتشافَ مستقبلِهِ فراقِبْ سِيرَ الأبناءِ، ذلكَ الغطاءُ الذي يغطّي مَنْ يعيشونَ على أرضِهِ كافَّةً، وهوَ الانتماءُ والسَّكنُ الحقيقيُّ الذي ننتمي إليهِ، فهو بمنزلةِ الأمِّ والأسرةِ، وهوَ المكانُ الذي نترعرعُ على أرضِهِ ونأكلُ من خيراتِهِ، وننعمُ بالأمنِ والأمانِ تحتَ ظلِّهِ، وكلٌّ لهُ طريقةٌ للتَّعبيرِ عن حبِّهِ لوطنِهِ، فتجدُ الجنديَّ حامياً، والفلاحَ زارعاً، والطبيبَ ساهراً، والمعلِّمَ للأجيالِ بانياً، والشَّاعرَ في حبِّ الوطنِ كاتباً.

لكن. معاناةالتهجير قد أعطت ذلك المصطلحالذي لا يرجمإن إلى أيولغة، بل يبقى كما هو لغة بحدحدها، لغة, لها أبجدياتها وحروفها ومفرداتها الخاصةبها، هي آهاتی وآلام هي أوجاع وقصصورواياتی.

هوَ مصطلحٌ مصبوغٌ بذكرياتٍ مريرةٍ ممزوجةٍ بالألمِ والوجعِ والضياعِ، هي قصةُ التراجيديا الأكثرُ وجعاً وإيلاماً عبرَ التَّاريخِ، والمسيرُ الأكثرُ حزناً حينَ سارت قوافلُ شعبٍ بأكملهِ تاركينَ خلفَهم بيوتَهمُ التي شيَّدوها بمزيجٍ من عرقِهِم ودموعِهِم، إنَّها مؤامرةُ فصلِ الرُّوحِ عن الجسد، ومحاولةُ تغييرِ طبيعةِ الجغرافيا، وتشويهِ مسارِ التاريخِ بإحلالِ شعبٍ

من العصاباتِ والمجرمينَ والغزاة محلَّ شعبٍ نبتتْ جذورُهُ منذُ آلافِ السِّنينِ على هذهِ الأرض.

لا يتوقَّفُ شريطُ الذِّكرياتِ عن اعتصارِ آلامِنا وجراحِنا، نحنُ الفلسطينيون في كلِّ بقاعِ الأرضِ، وفي كلِّ يومٍ جديدٍ تتسعُ مساحةُ الجراحِ؛ لتمتدَّ إلى جميعِ شرايينا لتوجعَنا مِن جديد، تذكِّرُنا بحجمِ مأساتِنا نحنُ الفلسطينيينَ. لكنَّنا في شهرِ أيَّار من كلِّ عامٍ في ذكرى النكبةِ، وتحديدًا في الخامس عشر منهُ، تسكُننا قصصُ التهجيرِ من جديدٍ، تعودُ لتخطُرَ على بالِ مَن عايشَ النكبةِ، هِي ذكرى تحمِلُ تفاصيلَ دقيقةً لشعبٍ كانَ يملكُ كُلَّ شيءٍ، وفي لمحةِ بصرٍ ودونَ أن يعرفَ ما يحصلُ لهُ؛ لقد أخذَ المحتلُّ كُلَّ شيءٍ، أرضَهُ، بيتَهُ، مفتاحَ غرفتِهِ، وصارَ يبعُدُ عن هواءِ فلسطين آلافَ الأميالِ وأكثر، لكنْ في رئتيهِ وفي قلبِهِ لا

تزالُ فلسطينُ تسكُنُ أينَما سَكَن.

وفي الوقتِ الذي أصبحَ الشبابُ الفلسطينيُّ يقودُ معركةَ البقاءِ والانتماءِ، ويُشاركُ بهمَّةٍ وعزيمةٍ في مسيراتِ العودةِ، وتظاهراتِ إحياءِ النَّكبةِ، لا يزالُ الكبارُ مِن الفلسطينيينَ، يحاولونَ استيعابَ ما جرى في نكبةِ العام 1948، وها هُم يحكونَ قصصَهم؛ وفيها مِن الجراحِ ما يكوي القلبَ ويُدمي العينَ، هي شهاداتٌ حيّةٌ لفلسطينيينَ سطَّروا في ذاكرتِهم تفاصيلَ لا تغيبُ عنِ الوجدان.

رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=14291

Font Resize