سلامٌ لروحِكَ الطاهرةِ التي تضعُها على كتِفيكَ؛ وتركضُ بها لتقاتلَ هذا العدوَّ الغاشم، تقاتلُهُ بما عندَكَ من عتادٍ ضعيفٍ، ومع ذلك تصنعُ المعجزاتِ في صفوفِ العدوِّ، من أينَ لكَ بالقوةِ لتتخلّى عن كلِّ ما تملكُ في سبيلِ الوطنِ، أهنِّئُكَ أيُّها البطلُ المغوارُ فقد فُزتَ بالآخرةِ ونلتَ جناتِ الفردوسِ الأعلى بإذنِهِ تباركَ وتعالى.
{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون : 111]
عظيمةٌ هذه الآيةُ! وكأنَّها شلالٌ من الطمأنينةِ يُصبُّ في الصدورِ، فسبحانَ ذي الجلالِ والإكرام، سبحانَهُ كيفَ يجعلُ قلبَ الإنسانِ الضعيفِ يصبرُ على قساوةِ ما يمرُّ بهِ من أزماتٍ، وكيفَ يجعلُ قلبَنا مليئًا بالثقةِ بعوضِهِ بما يسعدُ أفئدتَنا، سبحانَهُ كيفَ يجعلُنا صابرينَ على كلِّ ما أصابَنا من حزنٍ وفقدٍ.
أكثرُ ما أتمنَّاهُ الآنَ أن يطيلَ اللهُ بعمري فقط؛ لأجلسَ وأُمتعَ نظري وقلبي بمراضاةِ اللهِ لعبادِهِ، منهم الذي فقدَ أحدًا من عائلتِهِ أو فقدَ يديهِ أو قدميهِ أو فقدَ بيتَهُ أو مصدرَ رزقِهِ أو فقدَهم جميعًا.
أريدُ أن أرى الرِّزقَ بأشكالِهِ وهو يُجزى للعبادِ المستضعفين.
كلُّ محاولاتي بالتأقلمِ مع الواقعِ المريرِ باءت بالفشلِ، كلَّما اعتقدتُ أنّي تأقلمتُ يهزمُني الشَّوقُ.
أصبحَ التوترُ والخوفُ كأمراضٍ مزمنةٍ، وكأنَّهم استبدلوا ما يسري بأوردتي بسُمٍّ يميتُني رويدًا رويدًا، كلما اقتربَ من مشارفِ النهايةِ جعلَ نفسي أكثر ثباتًا لأيِّ حدثٍ سيئٍ، أو فقدٍ يمكن أن أتعرَّضَ لهُ، يصفعُني بقوةِ حدثٍ، كأنَّهُ يستخُّف بي ويهمسُ بأذني؛ أنتِ أضعفُ من هذا، ليسَ بإمكانِكِ القيام بذلك، فأهلاً بنقطةِ الصفرِ مجددًا.
غدًا ستُختصرُ قصَّتُنا في كتبِ التاريخِ بجملةٍ واحدةٍ وهي:
في تاريخ 7 اكتوبر 2023 وقعت حرب طوفان الأقصى على قطاع غزة، راحَ ضحيتَها أكثرُ من 50 ألف شهيدٍ وما يقاربُ 90 ألف جريحٍ وما زالت عجلةُ الموتِ مستمرةً بالدوران.
ما أريدُ توضيحَهُ أن قصتَنا تُختصَرُ بكتابٍ وليسَ بجملةٍ، نعم أعي ما أقولُهُ تُختصر بكتابٍ واحد على الأقل، فنحن تنتظرُنا معركةٌ أشدُّ قسوةً بمجردِ انتهاءِ هذهِ المعركةِ؛ وهي إعادةُ تأسيسِ حياةٍ منَ نقطةِ الصفرِ، من اللا شيء! من يأتي لنا بعمرٍ إضافيٍّ كالذي مضى؟ لنؤسسَ حياةً لنصلَ ولنكملَ ما كنا عليه مسبقاً!
بينَ طيَّاتِ الحنينِ؛ أخذني عقلي فجأةً بجولةٍ لأحزاني وهمومي قبل السابع من أكتوبر، يا لها من أحزانٍ يا لها همومٍ، حقًّا اشتقتُ لتلكَ التفاهاتِ، يا ليتني كنتُ أدري أنَّ هذا سيصيبَنا لكيلا أكترثَ لأيِّ شيءٍ يصيبُني في ذلك الماضي المدفونِ، لماذا لم يخبرْني أحدٌ أنَّنا سنواجهُ شلالًا من الفقدِ والمعاناةِ والحزنِ أو أننا سننجو كلَّ لحظةٍ من الموتِ لموتٍ أكثر إيلامًا، لكنتُ خزَّنتُ لنفسي قليلًا من الفرحِ والسَّعادةِ، لعلَّها خفَّفت قليلًا من مشاعرِ الأسى التي تعصرُ فؤادي ألمًا الآن.
رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12969