يجدُ متصفِّحُ سيرَ الرجالِ في الإسلامِ نفسَهُ أمامَ مشاهدَ يعجزُ العقلُ عن استيعابِها!.
فكيفَ يمكنُ أن يُفسِّرَ ما فعلَهُ مصعبُ بن عمير سفيرُ الإسلامِ في أحدٍ؟ أو يشرحَ ما أتاهُ سلمة بن الأكوع قائدُ المشاةِ في ذي قرد؟ أو يقبلَ ما أقدمَ عليهِ رأسُ كتيبةِ الفدائيينَ الأربعمئةِ عكرمة بن أبي جهل في اليرموكِ؟ أو يستوعبَ ما كانَ من البراء بن مالك مقوضِ حصنِ مسيلمةَ بن ثمامة في اليمامةِ؟ أو يسلِّمَ قيادَهُ إلى ما حثَّ ضرار بن الأزور على تقحُّمِ الأهوالِ ومهاجمةِ كتيبةٍ من كتائبِ الرُّومِ وحدَهُ في أجنادين؟ ليطابقَ لقبُهُ الأصليُّ اللقبَ المسنَدَ من الرومِ “الشيطان عاري الصدر”، وقد كانَ جلُّ هؤلاءِ الرجالِ مبجَّلينَ في أقوامِهم إن لم يكونوا سادتَها!
ولربَّما كانَ الجوابُ على ذلك؛ أنَّ مجاهدي الأمسِ نبذوا الدنيا وراءَ ظهورِهم، رغمَ أنَّهم ملكوا مفاتيحَها فانهارت الدنيا في أعينِهم، كما تنهارُ أحجارُ اللعبِ عندَ سحبِ أولِ حجرٍ، وأقاموا على الدِّينِ حتّى اشتدَّ ولم يتركوهُ ردَّةً أو التفاتًا، وحقَّ عليهم قولُ الرسولِ خيارُ الناسِ في الجاهليةِ خيارُهم في الإسلامِ، فلم يكونوا إلّا شهداءَ أو شاهدينَ صدقوا ما عاهدوا عليهِ اللهَ.
وإن عُرِفَ لهؤلاءِ الرجالِ وغيرِهم ممّن لم يتسعِ المقامُ لذكرِهم جميعًا فضلُهم في الإسلامِ، فينبغي أن يُعرَفَ لمجاهدي اليومِ في فلسطينَ الصامدةِ وغزَّةَ الأبيةِ فضلُهم على الأمَّةِ، ولئن ضحَّى مجاهدو الأمسِ بما ملكوا من أنفسٍ وأموالٍ وثمراتٍ فإنَّ مجاهدي اليوم قد ضحُّوا بما لم يملكوا مهجاتهم.
وإن كانت العقيدةُ الغرَّاءُ هيَ الأصلُ الذي حرَّكَ الصحابةَ والتابعينَ والقادةَ عبرَ التاريخِ؛ ليبذلوا الغالي والنفيسَ في سبيلِ نشرِها والحفاظِ عليها، فإنَّ السَّببَ عينَهُ هوَ الذي حرَّكَ هؤلاءِ الرجالَ ليكونوا حصنًا منيعًا يحولُ دونَ هدمِ مسرى النَّبيِّ واستباحةِ الأرضِ وهتكِ العِرضِ، وإن لم يبقوا فأحفادُهم باقونَ حتّى يلقى آخرُهم آخرَهم على أبوابِها.
وإن جهلَ العالمُ أسماءَهم وعددَهم؛ فإنَّ اللهَ يعلمُ أسماءَ جنودِهِ وعددَهم، وإن جمعَ الناسُ لهم فإنَّهُ مدركٌ عبادَهُ وممدُّهم بما لم نرَهُ، ألانَ لهم الحديدَ بقوةٍ فصنعوا عدَّتَهم وعتادَهم من المستحيلِ، ليحلِّلَ الدويري ويكتبَ كاتبُ التاريخِ وإن كلَّ متنُهُ ما لا يمكنُ أن تُغلَقَ دونَهُ الصفحاتُ.
الرابط المختصر :https://palfcul.org/?p=12858