حلمُ محارب – بقلم ٳدريس قرش مشاركة ضمن موسوعة “غزة كفاح وجراح”
في إحدى الليالي، راودَني هذا الحلمُ العدواني، يأخذُ شكلَ الخيبةِ وطعمَ السِّنينِ المهترئة:
تعالي إليَّ أيتها اليرقاتُ لإرضاءِ انتقامِكِ المتعطِّشِ للدِّماءِ، نصبوا مشانقَهم في طريقِ الضَّياعِ والوحشية.
ويا أيتها النِّساءُ حاملاتُ المرارةِ كٳليسا على محرقةِ الأملِ.. على الأرضِ في نشوةٍ بينَ العذابِ والدُّعاءِ، تنزلنَ درجاتِ التيهِ؛ تخفينَ في ثنايا شككنَ بذورَ النُّزوحِ، تنحدرنَ على سفوحِ الهجرِ نحو فألٍ مُبهم!
هناكَ، لا يوجدُ سوى لهيبٍ لا يُحصى، تقصفُ تحرَّكَهُ رغباتٌ ظالمة!
صلينَ وغنّينَ نذيرَ البؤسِ والأملِ!
تجولُ بعيدًا عن مسيرةِ اليرقاتِ ويا أيَّها الرِّجالُ الأشدّاءُ في طريقِ الهجرِ، البسوا عباءةَ الصُّمود! يكونُ لكم ماءُ الزقاقِ والفطيرُ اليابسُ الذي تحفظونهُ.
اذهبي أيَّتُها المرأةُ مع هذهِ الحاجةِ الأحفوريةِ لسحبِ الغضبِ الذي يتمرَّغُ ويكافحُ في عروقِكِ، أو إن شئتِ؛ انقشي بأظافرِكِ المتصلبةِ الأملَ على الجدرانِ العاليةِ كالوحدةِ الدنيئة.
غداً ستنهضينَ كالرِّياحِ في الغبارِ، رياحٍ تحملُ شكاوى ترمُّلِكِ…
تدوسينَ الأشواكَ والحجارةَ الحادَّةَ بأقدامِكِ المتصلبةِ منَ المشيِ، رأسُكِ مخدَّرٌ بالأنفاس يضايقُهُ كبريتُ أرضِكِ الحبيبةِ الجاحدةِ، وشعرُكِ كشعرِ ميدوسا المتحجر، والكلمةُ العطشى في فمِكِ المختزلِ لصمتِ القرون، الذي لا يزالُ يحتفظُ بلعابِ القسوة.
اذهبي نحوَ عودةِ أشعَّةِ الفجرِ الأولى المهدَّدةِ بأصابعِكِ الدَّموية، نحوَ المعضلةِ السَّخيفةِ التي لا تنفصم.
نشجبُكِ يا أرضَ فلسطين! ليسَ لدينا سوى أسمالِنا المثقلةِ برائحةِ الضَّياعِ وأعينِنا المغمورةِ بدموعٍ متوسِّلةٍ!
لا نتذكَّرُ منكِ سوى صرخةِ الكلابِ والثعالبِ التي تحاصرُ آباءَ أبنائِنا المدفونينَ في الكهوفِ، لا نتذكَّرُ إلّا صرخةَ السِّياطِ على جلودِنا المجروحةِ وتشقُّقَ عظامِنا من قسوةِ القلوب.
نحتفظُ دائمًا بأقحوانةٍ ذابلةٍ لمقبرةِ الطِّفلِ المجهول!
إنَّهُ الرَّحيلُ المحمومُ نحوَ الملحِ والحبوبِ على حافةِ اللهبِ والأصداف!
سنرجعُ يومًا
سنرجعُ يومًا
سنرجعُ يومًا!
لا بدَّ منَ العودةِ ولو بعدَ حين!
غدًا سوفَ نتحوَّلَ إلى شرنقة،
غدًا سنُولَدُ من جديدٍ بأنفاسِ الرَّبيعِ ووعدِ أزهارِ الزَّيتونِ ورفرفةِ الحمام.
غدًا أيَّتُها النِّساءُ، مزِّقْنَ أحشاءَكنَّ لتزرعنَ فيها نسيانَ أطفالِكم المذبوحين تحتَ الأنقاضِ هناك!
رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12110