لم تكنْ هذهِ الحربُ كأيِّ حربٍ مرَّت علينا، فقد تعلَّمْنا منها الكثيرَ؛ أولُها أنَّكَ معرضٌ للموتِ في أيِّ لحظةٍ، وأنَّ عليكَ تقبُّلُ موتِ عائلتِكَ دونَ صراخٍ فقد أصبحوا جميعَهم في عدادِ الشهداءِ، فنحتسبُهم عندَ اللهِ معَ أنَّ قلوبَنا قد أصابَها القهرُ لفقدانِهم، في أقلَّ من دقيقةٍ تُمسَحُ عائلةٌ كاملةٌ من السجلِّ المدنيِّ، وإنهاءُ قصصٍ وأحلامٍ، منهم من بدأ حلمُهُ ومنهم من شارفَ على الانتهاءِ ليبدأَ حلماً جديداً يكبرُ فيهِ الطُّموحُ للعملِ عليه، وممكنٌ أن يبقى من العائلةِ شخصٌ واحدٌ فقط يُطلَقُ عليهِ الناجي الوحيد ليحكيَ قصَّةَ خروجِهِ من تحتِ الرُّكامِ بعدَ أن سمعَ أصواتَ عائلتِهِ تتخافتُ وتصمتُ، ويبقى شاهداً على هذهِ المجزرةِ التي ارتكبَها الاحتلالُ بحقِّ سلالةِ عائلتِهِ بالكامل.
في الحربِ ستعلمُ من هوَ حبيبُكَ وصديقُكَ من عدوِّكَ، سترى الكثيرَ منَ الأهلِ كانَ يتميزونَ بالوفاقِ والمحبةِ قبلَ الحربِ لتكتشفَ أنَّهم غيرُ قادرينَ على تحمُّلِ بعضِهم بعضاً، ترى الغريبَ يرحِّبُ بكَ ويستقبلُكَ، بينَما القريبُ يحاولُ اختلاقَ المشاكلِ لترحل.
في الحربِ لا داعيَ أن نتحدثَ عن غلاءِ الأسعارِ وخاصةً الخضروات؛ فتصبحُ أمنياتُكَ أن تأكلَ حبَّةً من الطماطم.
في الحربِ أن تعيشَ في خيمةٍ؛ لا تستطيعُ الجلوسَ فيها من الساعةِ السابعةِ صباحاً حتى الساعةِ السادسةِ عصراً لأنَّها تلفظُ لهيبَها في الداخل، فتخرجُ منها محاولاً البحثَ عن مكانٍ باردٍ تبحثُ فيهِ عن قليلٍ من الهواءِ والظِّلال.
ألمْ أخبرْكم أنَّها ليست عاديةً؟ فقد انتشرتِ الأمراضُ العديدةُ بسببِ عدمِ وجودِ المنظفاتِ، وعدمِ اهتمامِ البلديةِ بالقمامةِ الملقاةِ في الشَّوارعِ، وبسبب مياهِ الصَّرفِ الصحيِّ التي أخرجت ما في جوفَها لتملأَ المنطقةَ مياهاً عادمةً فتمنعَكَ عن السيرِ والحركة.
في الحربِ كلُّ منِ ادّخرَ قرشاً يحتفظُ بهِ للزمنِ أصبحَ الآنَ خاليَ الوفاضِ لا يملكُ قرشاً واحداً، حيثُ لامجالَ للعمل.
أصبحْنا غرباءَ في بلادِنا لا نستطيعُ العودةَ وغيرَ قادرينَ على التأقلمِ في مكانِ النُّزوحِ، اصبحت الجملةُ التي نردِّدُها الآنَ بعدَ كلِّ ما عشناهُ هيَ (يا ريت ما نزحنا ولا طلعنا من بيتنا) وبعدَها نعودُ للقول (يلّا أكيد لخير طلعتنا)
وما زلنا نصدِّقُ بقولهم “بكرة بتهون وبنرجع”.
رابط مختصر :https://palfcul.org/?p=14234