11 February, 2025

العدو تهزمه الحياة!-بقلم عبد الرحمن أحمد

قصفٌ مِدفعيٌّ… قصفُ طائرات… قنابلُ صوتية… قنابلُ مُضيئة… غارات… قذائف… وصواريخ… طائراتٌ حربية… طائرات مُسيَّرة… طائرات استطلاع… أصوات انفجارات… وأصوات اشتباكات… لم يَعُد الليلُ الليل، فلا هو هادئ، ولا هو مُظلم، أليس هذا ما كان يُميِّزه عن النَّهار؟ أو هذا على الأقل ما كنتُ أعتقده، وللأطفالِ مُعتقداتُهم، ولهم خيالاتُهم، ولا أظنّني عُدتُ طفلا؛ فالحرب تُغيّر القناعات والمُعتقدات، تُغيّر الأشياءَ، تُغيِّر الأشخاصَ، وتقتُل!

والحربُ تفعل كلَّ شيءٍ، إلا أن تنتهي؛ فالهُدن لا تعني انتهاءَ الحرب، والوقفُ الدائم لإطلاق النار لا يعني انتهاءَها، ولا تَعنيهِ اتفاقيات السَّلام، ولا المُعاهدات… الحرب تنتهي فقط حينَ لا تبدأ أصلا، الحرب تنتهي فقط حيث لا تكون… كأن يُغادر المُحتل أرضنا!

وإلا فهي في غياب أبِي الذي قُتل في غارة، في غياب أُمّي الذي قُتلت في قصف سيارة الإسعاف التي كانت تُقلُّ أبي، وفي غياب أخي الذي قُتل في حضن أمي، رضيعا، وقبل هذا لم أكن أعتقد أنّ سيارات الإسعاف يمكن أن تُستهدف…

والحرب في نفسي… والقتلُ منه المعنويُّ، وهو أشدُّ إيلاما، وهو ما تعرضتُ له، وما زلتُ!

ولو أنَّ الحرب انتهت، من يعيدُ الحيَّ، وقد أبيدَ أجمعُه؟ من يعيدُه؟ والمدرسة من يدرسُ فيها؟ وقد صارت مركز إيواء ولجوء، والمُعلمة قُتلت، والتلاميذُ قتلوا، والمدير قُتل!

والملعبُ من يلعب فيه؟ وقد صار مَقبرة، والأصدقاء من قُتل، ومن بُترت أطرافُه، ومن اختفى، تحت الأنقاض، لم يُعثر عليه بعد، وقد لا يُعثر عليه!

وليس الملعبُ وحدَه ما صار مقبرة، بل المساجد أيضا، والمدارس، بل لعلّ غزة كلها مقبرة، مقبرة للعدّو الغازي، لضُباطه وجنده، قبل أن تكون مقبرة لأهلها…

حتى المُستشفيات، لم تسلم، قُصفت واقتُحمت، وقد شاهدتُ فيها الخُدَّج يُقتلون، ولم يعيشوا بعد، بل شاركتُ في حملهم ليُدفنوا، وعندَها فكّرت لو كتبت لي الحياة، لأُدافعنَّ عن قضيّتي، لأصيرنَّ طبيبا، أو لأصيرنّ صِحفياً، أو لأصيرنَّ أي شيء، أيّ شيءٍ إلا أن أخاف  إلا أن أنسى، إلا أن أصالح، والعدوُّ يَهزمه كلُّ ذلك، والعدوُّ تهزمه الحياة!

رابط مختصر:https://palfcul.org/?p=12838

Font Resize