6 December, 2024

حكايةُ زيتونةٍ صامدةٍ – بقلم هند محسن حلمي

في قريةٍ فلسطينيةٍ صغيرةٍ، عانقتْ سفحَ جبلٍ شامخٍ، وُلدتْ زيتونةٌ صغيرةٌ ضعيفةٌ، لم تكنْ كباقي أشجارِ الزيتونِ، فكانتْ تُعاني شحَّ الماءِ وضعفَ التربة، لكنَّها تمسَّكتْ بالحياةِ، وغرستْ جذورَها في أعماقِ الأرضِ، مصممةً على النموِّ والعيشِ.

مع مرورِ الأيامِ، واجهتْ الزيتونةُ الصغيرةُ العديدَ من التحدياتِ، فقدْ كابدتْ قسوةَ الشمسِ وحرارةَ الصيفِ، وصقيعَ الشتاءِ القارس وبردَه، كما تعرَّضتْ لهجَماتِ الحيواناتِ البريةِ، ومحاولاتِ بعضِ الأشخاصِ اقتلاعَها من مكانِها.

لكنَّ الزيتونةَ الصغيرةَ كانتْ صامدةً، لم تستسلمْ لليأسِ، بلْ زادتْ تمسُّكًا بالحياةِ، ومع كلِّ تحدٍّ تواجهُهُ، كانتْ تنموُ وتقوى، وتُصبحُ أكثرَ قوةً وصلابةً.

في أحدِ الأيامِ، مرَّ بجانبِ الزيتونةِ الصغيرةِ صبيٌّ فلسطينيٌّ يدعى كريماً. كانَ كريمٌ يلعبُ مع أصدقائهِ، عندما لفتتْ انتباهَهُ تلكَ الشجرةُ الصغيرةُ الضعيفةُ، شعرَ كريمٌ بالحزنِ على حالِ الزيتونةِ، فاقتربَ منها برفقٍ وبدأَ يسقيها الماءَ من قارورةِ ماءٍ كانَ يحملُها معهُ.

ومنذُ ذلكَ اليومِ، أصبحَ كريمٌ يزورُ الزيتونةَ الصغيرةَ كلَّ يومٍ، يسقيها الماءَ ويعتني بها، ومن خلال رعايةِ كريم، بدأتْ الزيتونةُ تنموُ بشكلٍ أسرعَ، وأصبحتْ أوراقُها خضراءَ كثيفةً، وأغصانُها قويةً متينةً.

كبرَ كريمٌ مع الزيتونةِ، وكبرتْ معهُ، فقد أصبحَتْ الزيتونةُ رمزًا للصمودِ والأملِ بالنسبةِ إلى كريمٍ، تُذكِّرهُ بقوةِ الإرادةِ والعزيمةِ على النجاحِ في الحياةِ.

في إحدى السنواتِ، واجهتْ فلسطينُ حربًا قاسيةً، هاجمَ الاحتلالُ الإسرائيليُّ القرىَ الفلسطينيةَ، ودمَّرَ المنازلَ والمدارسَ، واقتلعَ أشجارَ الزيتونِ، حيثُ شعرَ كريمٌ بحزنٍ وغضبٍ شديدَينِ، وخشي على مصيرِ زيتونتِهِ الصامدةِ.

لكنَّ كريماً لم يستسلمْ لليأسِ. قررَ أنْ يُقاومَ الاحتلالَ الإسرائيليَّ بطريقتهِ الخاصةِ. بدأَ كريمٌ برسمِ لوحاتٍ فنيةٍ تُجسِّدُ جمالَ فلسطينَ وصمودَ شعبِها، ونشرَها على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ، كما شاركَ كريمٌ في المظاهراتِ السلميةِ ضدَّ الاحتلالِ، ورفعَ صوتَهُ عالياً مُطالباً بالحرية والسلامِ.

مع مرورِ الوقتِ، لفتتْ لوحاتُ كريمِ الفنيةُ انتباهَ الناسِ من جميعِ أنحاءِ العالمِ. تأثَّرَ الناسُ بجمالِ لوحاتِهِ وقوةِ رسالتِها، وبدأوا يتضامنون مع فلسطينَ وقضيّتها العادلةِ.

أدركَ الاحتلالُ الإسرائيليُّ خطورةَ الفنِّ الذي يُقدمهُ كريمٌ، فحاولَ إسكاتَهُ ووقفَ في وجهِ إبداعِهِ. لكنَّ كريماً لم يتراجعْ، بلْ زادَ إصراراً على مواصلةِ نضالِهِ الفنيِّ.

فكلَّما حاولَ الظلمُ دفنَ الأملِ، نبتَ من رحمِ المعاناةِ زيتونةٌ جديدةٌ صامدة.

Font Resize