11 February, 2025

متى الذهاب إلى الجنة – قصيدة للشاعر سلطان الركيبات

لمنْ يظلُّ إذا المرآةُ تُنكرُهُ

 ووحشةُ الدَّارِ بالموتى تُذكِّرُهُ

 تكلُّسُ الدَّهرِ بادٍ فوقَ سحنتِهِ

 وأرذلُ العُمرِ بالأطلالِ يَعصِرُهُ

 والذِّكرياتُ كلسعِ النَّحلِ تلسعُهُ

 ولمْ يَعدْ بنجُ آمالٍ يُخدِّرُهُ

 ما عادَ يُغري ارتشافُ النُّورِ مُقلتَهُ

 فليسَ ثمَّةَ وجهٌ باتَ يَبهَرُهُ

لا “أينَ” يأوي قليلًا تحتَ شرفتِها

 وغيمةُ العيشِ بالخيباتِ تُمطرُهُ

مُجندلٌ بينَ عُكَّازٍ وأدويةٍ

 ولا سواهُ ـــ بعُمرِ الحزنِ ـــ يَكبرُهُ

لا شهرزادُ تَصبُّ الحبَّ في فَمِهِ

 تظلُّ حتَّى صِياحِ الدِّيكِ تُسكِرُهُ

قدْ غادرتْ بَجَعُ الأحلامِ جَدولَهُ

وغارَ منْ دمعهِ الثَّجَّاجِ مَحجرُهُ

لمْ يبقَ إلَّا دُخانُ التَّبغِ يؤنسُهُ

 ما ظلَّ غيرُ سُعالِ اللَّيلِ يُسهِرُهُ

وعندما يلتقي باللّهِ مُنفردًا

بكلِّ شيءٍ حزينٍ سوفَ يُخبرُهُ

….

عَرَّى خريفٌ مِنَ “التَّهويدِ” موطنَهُ

 فلا قماشُ أمانٍ باتَ يسترُهُ

وكلَّما شَرِبَ المُحتلُّ منْ دَمِهِ

وازدادَ غَطرسةً.. بالصَّبرِ يَقهرُهُ

يا غزَّةَ (الموتِ) والأكفانُ تسألُهُ

هذا الظَّلامُ متى يا ليلُ آخرُهُ؟

لأنَّ طينتَهُ مِنْ رملِ شاطئِها

يَدُ المَواتِ بإزميلٍ تُكسِّرُهُ

والاحتلالُ عليهِ اشتدَّ ساديةً

لعلَّ يومًا إلى منفًى يُهجِّرُهُ

المِدفعيَّةُ نحوَ البحرِ تَدفعُهُ

والطَّائراتُ بجوفِ الأرضِ تَطمُرُهُ

كانتْ لهُ قبلَ بدءِ الحربِ عائلةٌ

 ومنزلٌ يُبهجُ النُّظَّارَ منظرُهُ

لكنْ على أهلِهِ انهدّتْ حجارتُهُ

ماتَ الجميعُ.. فَمنْ إنْ ماتَ يَقبُرُهُ

يُريدُ عندَ خِتامِ العُمرِ أمنيةً

“موتًا يُغيظُ العِدا” بأسًا ويغدُرُهُ

يبقى بذاكرةِ الأشرارِ كارثةً

وعاجلًا نشرةُ الأخبارِ تنشرُهُ

 إذا يُولي أبوهُ شَطرَ ساعتِهِ

 يصيحُ مرتجلًا ماذا يُؤخرُهُ

وأمُّهُ خلفَ بابِ الغيبِ دائمةُ

 الدُّعاءِ علَّ مَلاكَ الموتِ يُحضرُهُ

وبنتهُ أوسطَ الفردوسِ جالسةٌ

 تُطالعُ الأفْقَ ليتَ العينَ تُبصرُهُ

وأقسمتْ بزهورِ الخُلدِ زوجتُهُ

إذا يدقُّ عليها البابَ تَنثُرُهُ

الاِنتظارُ يؤزُّ البالَ وسوسةً

 مُتْ يا وحيدُ فلا شيءٌ ستخسرُهُ

ومدَّ جِيدَكَ.. حبلُ السَّقفِ مِشنقةٌ

 كفاكَ عُمرًا كحَرِّ الجَمرِ أكثرُهُ

لكنَّ صلصلةً تَدْوي بداخلِهِ

تبدو كوحيٍ سماويٍّ يُبشِّرُهُ

إنَّ المُعاناةَ ـــ لو طالتْ ـــ مُؤقتةٌ

وكمْ أتى بعدَ عُسرِ الأمرِ أيسرُهُ

فاصبِرْ قليلًا فما تلكَ الشُّقوقُ سوى

ارهاصِ جيلٍ سينمو.. كنتَ تبذرُهُ

والنَّصرُ أقربُ منْ حبلِ الوريدِ إذا

نَعُدُّ عُدَّتَهُ.. الأقصى نُحرِّرُهُ

Font Resize