8 December, 2024

غزَّةُ بلسانِ الحال – قصيدة للشاعر عبد الملك سعيد بوَّاح

أبحثُ عن طريقةٍ لأُوصِلَ بها صَوتي.

أبحثُ عن طريقةٍ لأخبرَ العَالم عنِّي.

فلهذا قرَّرْت…

قرَّرتُ أن أتحدَّث عَن نفْسِي وأخبرَ عنِّي بنفسي.

غَزَّة…

نَعَمْ أَنَا غَزَّة

أَنَا ذَلِكَ اَلتَّارِيخُ اَلَّذِي كُتِبَ، وَالزَّمَانُ اَلَّذِي سَطَّرَ، وَالْعَصْرُ اَلَّذِي نَقَلَ، وَالْوَاقِعُ اَلَّذِي سَجَّلَ.

أَنَا ذَلِكَ اَلشَّخْصُ اَلَّذِي يَعْرِفُهُ اَلْجَمِيع، وَالذِي تَحَدَّثَ عَن اَلْجَمِيعِ، وَالذِي تَغَاضَى عَنْهُ اَلْجَمِيعَ. أَنَا الذِي وَاجَهَتُ اَلْجَمِيع، وَوَقَفَتُ فِي وَجْهِ اَلْجَمِيع.

أَنَا تِلْكَ اَلْعُصُورُ اَلْقَدِيمَةُ اَلَّتِي أَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا ذَلِكَ اَلْكِفَاحَ، وَالْعُصُورُ اَلْجَدِيدَةُ اَلْمَمْلُوءَةُ بِالْجِرَاحِ.

أَنَا اَلَّتِي دَافَعَتُ عن نَفْسِي وَقَاتَلَتُ بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِي!

أَنَا اَلَّتِي حُوصِرَتُ أَكْثَرَ مِنْ 17 عَامًا، واحتُلِلْتُ عمَّا يزيد عن 76عامًا، وَمَا زِلْتُ وَاقِفةً عَلَى قَدَمِي وأسيرُ قُدُمًا.

أَنَا ذَلِكَ اَلشَّخْصُ اَلَّذِي يُدَافِعُ عَنْ دِينِهِ وَمُعْتَقَدِهِ.

أَنَا ذَلِكَ اَلشَّخْصُ اَلَّذِي يُدَافِعُ عَنْ وَطَنِهِ وَشَعْبِهِ.

أَنَا ذَلِكَ اَلشَّخْصُ اَلَّذِي يُدَافِعُ عَنْ عرْضِهِ وَأَهْلهِ.

أيها اللاعبون الرائعون.

قُوَّتي اَلْإِيمَانُ وَالْإِرَادَةُ، وَطَرِيقِي النَّصْرُ واَلشَّهَادَةُ.

قانوني الجهدُ، ودستوري عدمُ الانسحاب.

قاموسي رفضُ المحتَلِّ، وَمُصْطَلَحَاتيَ للحرِّيةِ لا أُذَلُّ.

أَنَا بِنْتُ اَلْأَجْيَال، وَرَفِيقَةُ اَلْعُصُورِ والأبطال.

أَنَا أَوَّلُ مِنْ سَطَّر اَلتَّارِيخُ صَحَائِفَهُ.

أَنَا رَمْزُ اَلْفِدَاءِ، أَنَا أُمُّ أَولئكَ اَلشُّهَدَاءِ.

أَنَا اَلَّتِي أُزْهِقَتْ أَرْوَاحُهَا.

أَنَا اَلَّتِي دُمِّرَتْ مَدَارِسُهَا.

أَنَا اَلَّتِي دُكَّتْ مَبَانِيهَا.

أَنَا اَلَّتِي خُرِّبتْ ديارُهَا.

أَنَا اَلَّتِي أُبِيدَ عُمْرَانُهَا.

أيها الإيطالي.

أيها اللاعب.

أَنا التي أُوَاجِهُ اَلْمَوْتَ، وأرْفَعُ رَايَتِي تَحْتَ ذَاكَ اَلصَّوْت.

أَنَا التِي أبكِي بِلَا دُمُوعٍ، وأَعِيشُ رَغْمَ اَلْجُوعِ.

أَنَا التِي قِيلَ عَنِّي: “إِنَّ سَأَلُوكَ عَنْ غَزَّةَ قَلَّ لَهُمْ: بِهَا شَهِيدٌ، يُسْعِفُهُ شَهِيدٌ، وَيُصَوِّرُهُ شَهِيدٌ، وَيُوَدِّعُهُ شَهِيدٌ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ شَهِيد”.

أَنَا اَلَّتِي قَالَ اَلشُّعَرَاءُ عنِّيَ:

“وَإِنِّي لِمُشْتَاقٌ إِلَى أَرْضِ غَزَّةٍ

وَإنْ خَانَنِي بَعْدَ اَلتَّفَرُّقِ كِتْمَانِي

سَقَى اَللَّهُ أَرْضًا لَوْ ظَفِرتُ بَتُربهَا

كَحلَتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ اَلشَّوْقِ أَجْفَانِي”

أنا القضيةُ التي لا تنقضي!

أَنَا اَلصَّبْرُ اَلَّذِي لَا يُنْتَهِي، وَالْحِبْرُ اَلَّذِي لَا يَنْمَحِي.

أَنَا اَلْقُوَّةُ اَلَّتِي لَا تَتَزَحْزَحُ، وَبِدَمِ اَلْأَعْدَاءِ تَتَلَطَّخُ.

أَنَا اَلدَّمُ اَلسَّائِلُ، والسدُّ في وجهِ القاتل.

أنا ذلك الدَّمُ المـُـرَاقُ، وأصواتُ آهاتِي تملأُ الآفَاقَ، رُغمَ كلِّ ذلِكَ ما زالَ عَلَمِي مُرَفْرِفًا خَفَّاقًا.

اِسْمِي اَلْيَوْمِ غَزَّةُ، وَغَدًا غَزَّةُ، وَفِي اَلْمَاضِي غَزَّةُ، وَفِي اَلْمُسْتَقْبَلِ غَزَّةُ.

أَنَا غَزَّةُ… أُدَافِعُ عَنْ غَزَّةَ، وَسَأَحْيَا كَغَزَّةَ، وسأموتُ كَغَزَّةَ، برفعةٍ وعزِّةٍ!

هَذَي أَنَا غَزَّةُ أَتَعرفُوننِي أُمٌّ تَتَظَاهَرُونَ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِي؟!

رابط مختصر: https://palfcul.org/?p=12730

 

Font Resize