الْمَشْهَدُ الْفَلَسْطِينِيُّ – قصيدة للشاعر عمر سبيكة مشاركة ضمن موسوعة “غزة كفاح وجراح”
وَدَالَةٌ دَلِيلُهَا مُطَبِّعٌ
الْمَشْهَدُ الَّذِي اعْتَرَى سَمَاوَةَ الْمُخَيَّمِ،
الْمَشْهَدُ الَّذِي اسْتَعَارَ
مِنْ بَرَاءِ قَتْلِنَا الْمُدَمْدِمِ
بَرَاءَةَ الدِّمَا
بَدَا مُبْتَسِمًا
مُسَالِمًا،
الْمَشْهَدُ الَّذِي يُفَاتِحُ الظَّلَامَ،
خِلْسَةً يُصَافِحُ الْظَّلَامَ،
الظَّلَامُ لَا يَرَى،
لَكِنَّنَا نَرَى
وَنَذْكُرُ الْحِصَارَ
نَذْكُرُ الْمَجَازِرَ،
صَبْرَا
شَتِيلَا،
نَذْكُرُ الْجَنِينَ،
شَاهِدًا قَتِيلًا،
يَذْكُرُ الْقَتْلَى مَلَامِحَ الْعَسَاكِرِ
تُخَرِّبُ الْخَرَابْ،
الْمَشْهَدُ الَّذِي نَرَى
الْمَشْهَدُ الَّذِي يَرَى،
الْمَقْبَرَهْ،
قَهْقَهَةُ الْأَطْفَالِ حِينَ الْمَجْزَرَهْ،
تُرَابُنَا الْجَرِيحُ،
لَيْلُنَا الْكَسِيحُ،
الدَّمُ الْفَصِيحْ،
يَبَابُنَا،
سَرَابُنَا،
غِيَابُنَا،
عَسَاكِرُ الْعَدوِّ
تُدَّمِّرُ الْمَقَابِرَ،
وَخَيْمَةٌ
تَغَمَّدَتْ زَمَانَنَا،
تَغَمَّدَت مَكَانَنَا،
تَغَمَّدَتْ حَيَاتَنَا،
تَغَمَّدَتْ مَمَاتَنَا،
تَغَمَّدَتْ شَتَاتَنَا الْمُكَابِرَ،
تَغَمَّدَتْ يَقِينَنَا الْمُسَافِرَ،
وَإِنْ أصابَنَا الرَّصَاصْ،
فَلَا مَنَاصَ لِلْقَتِيلِ،
يَنْهَضُ الْقَتِيلُ
تَحْتَ خَيْمَةٍ
تَغَمَّدَتْ جُثْمَانَهُ الْحَافِي،
بِلَا أَوْتَادِهَا تَنْهَضُ منهُ دَائمًا
خَيْمَتُنَا،
وَتَنْهَضُ الْبِلَادُ
تَعْتَلِي على أَنْقَاضَهَا،
تُطَيِّرُ الْمَدَى،
وَيَنْهَضُ الشَّهِيدُ دَائِمًا،
وَيَنْهَضُ الشَّاعِرُ،
يَرْفَعُ الرُّكَامَ
كَيْ يُزَاوِلَ الْمَدَى الْأَحْلَامَ،
الْمَدَى أَغَمَّهُ الرُّكَامُ،
غَامَ،
رُبَّمَا الشَّاعِرُ غَامَ
بِالْغَمَى،
مَرْثِيَةٌ لَا تَنْتَهِي،
لَمْ يَنْتَهِ الشَّاعِرُ مِنْ إنْشَادِهِ،
الْمَشْهَدُ انْسَاقَ،
وَقَدْ تَألَّقَ الشَّاعِرُ
يَلْمَسُ الْحِجَارَ،
هَهُنَا حَقِيقَةٌ تَرَقْرَقَتْ،
وَهَهُنَا حَدِيقَةٌ تَحَرَّقَتْ،
وَهَهُنَا مَرَارَةٌ،
وَهَهُنَا إِمَارَةٌ تَأَمَّرَتْ،
وَهَهُنَا عِمَارَةٌ وَدَارَةٌ تَحَدَّرَتْ،
وَهَهُنَا مَضَلَّةٌ وَضَلَّةٌ،
تَضَاءَلَتْ
مَعَابِرُ الخَيَالِ،
هَهُنَا ذَلَالَةٌ
ودَالَةٌ
دَلِيلُهَا مُطَبِّعٌ،
وَهَهُنَا مَظَلَّةٌ
تُظَلِّلُ الظِّلَالَ،
آيَةٌ
وَرَايَةٌ
تُغَمِّدُ التِّلَالَ،
هَهُنَا يُقَاتِلُ الْقَتِيلُ
يَخْرُقُ السُّؤَالَ،
هَهُنَا الْقُبُورُ،
هَهُنَا الْقُصُورُ،
هَهُنَا دِيَارُنَا،
وَهَهُنَا قِفَارُنَا
تَزَاحَمَتْ رِيَاحُهُ،
دَمٌ يُسَائِلُ الدُّنَى،
وَدُمْيَةٌ هُنَا،
تَبَيَّنَتْ بَرَاءَةَ الْقَنَابِلِ،
وَصُورَةٌ هُنَا
وَصُورَةٌ هُنَاكَ
تَعْبُرُ الِجِدَارَ،
أُسْرَةٌ هُنَا،
وَأُسْرَةٌ هُنَاكَ
تَرْسُمُ الْحَيَاةَ
حَيْثُ تَنْتَهِي الْحَيَاةُ،
هَهُنَا تَفَجَّرَ الْكِيَانُ،
الْعِمَارَةُ ارْتَمَتْ عَلَى ظِلَالِهَا،
تَغَمَّدَتْ بَرَاءَةَ الْغُرُوبِ،
رَاكَمَتْ حُطَامَهَا عَلَى سَمَاوَةِ التُّرَابِ،
الشَّاعِرُ يَمْنَحُ الْحِجَارَ صَوْتَهُ
لِكَيْ تَنُوحْ،
تَزَاحَمَتْ بِسَاحِهَا الْمَشَاعِلُ،
وَقَاتِلٌ يُقَتِّلُ الْقَتِيلَ،
ورُوحُهُ
تُقَاتِلُ،
اِزْدَحَمَ الشَّاعِرُ
وَالْمَشْهَدُ يَسْأَلُ…
إِلَى آخِرِ دَمْعَةٍ تُبَلِّلُ التُّرَابْ،
الْمَشْهَدُ انْسَاقَ،
وَقَدْ تَاقَ إِلَى صَبِيحَةٍ تَغَمَّدَتْ لَيْلَ الْقَنَابِلِ،
وَأَشْرَقَتْ بِمَغْرِبٍ بَهِيمْ،
كَانَ الْفَتَى مُزْدَحِمًا
فِي قَفْرِهِ،
يَلْتَمِسُ الْأَنْغَامَ وَالْأَحْلَامَ
دُونَمَا سَمَاءْ،
يُكَاشِفُ الْقَصِيدُ رُوحَهُ،
يُصْغِي إِلَى غَمَاغِمِ الْخِطَابِ…
هَيْنَمَ الْخِطَابُ،
اكْتَمَى،
وَبَيْنَمَا السَّمَاءُ تُطْلِقُ الْحَمَامَ
بَيْنَمَا يُسَامِحُ الْقَتِيلُ،
يَهْملُ الْهَدِيلُ،
هَهُنَا
لقد بَكَى الشَّاعِرُ،
فَالْمَشْهَدُ صَاعِدٌ إِلَى قِيَامَةٍ
فِي قَاعِهَا
يَسْتَكْمِلُ الْقَتْلَى جَنَائِزَ الظَّلَامْ…
كَانَ الْفَتَى مُبْتَسِمًا،
مُرْتَسِمًا فِي حُلْمِهِ،
يُصْغِي
إِلَى آخِرِ طَلْقَةٍ تُقَفِّلُ الْخِطَابْ
غَمَّ الْغَمَامْ
مَاتَ الْفَتَى تَحْتَ الرُّكَامْ
يَا أُمَّهُ
مَاتَ الْفَتَى
لَكِنَّهُ الْآنَ يُكَاشِفُ الْقَصِيدَ
دُونَمَا كِتَابْ،
يُكَاشِفُ الْنَّهَارَ دُونَمَا سَرَابْ،
مَاتَ الْفَتَى
لَكِنَّهُ الآنَ يُكَاشِفُ الظَّلَامْ
كَانَ الْفَتَى يَعْلُو
كَمَا طَائِرَةٌ
تُهَيِّجُ الْمَدَى
كَانَ الْفَتَى يَعْلُو
كَمَا مَقْبَرَةٌ تُسَيِّجُ الْمَدَى
كَانَ الْفَتَى يَعْلُو إِلَى دَمٍ يَصِيحُ تَحْتَ مَا ثَوَى
أَسْمَعُ صَوْتَ الطِّفْلِ يَبْكِي
فِي التَّفَاصِيلِ
وَأَحْيَانًا يُقَهْقِهُ
وَأَحْيَانًا يُنَاغِي أُمَّهُ،
أسْمَعُ صَوْتَهُ
يُطَيّرُ النَّشِيدَ،
طَائِرًا
يُطَيِّرُ الْعَنَانَ وَالسَّمَاءْ
يُطَيِّرُ الْجَنَاحَ وَالصَّبَاحْ
يُطَيِّرُ الرِّيَاحْ
مُلْتَحِفًا سَمَاوَةَ التُّرَابِ
عَالِقًا بِمَفْرَقٍ يُصَدِّقُ الطَّرِيقْ
غَمَّ الْغَمَامْ
مَاتَ الْفَتَى تَحْتَ الرُّكَامْ
يَا أُمَّهُ
مَاتَ الْفَتَى
لَكِنَّهُ الْآنَ يُكَاشِفُ الْقَصِيدَ
دُونَمَا كِتَابْ
يُكَاشِفُ الْنَّهَارَ
دُونَمَا سَرَابْ
مَاتَ الْفَتَى
لَكِنَّهُ الآنَ يُكَاشِفُ الظَّلَامْ
كَانَ الْفَتَى يَعْلُو كَمَا طَائِرَةٌ
تُهَيِّجُ الْمَدَى
كَانَ الْفَتَى يَعْلُو كَمَا مَقْبَرَةٌ
تُسَيِّجُ الْمَدَى
كَانَ الْفَتَى يَعْلُو إِلَى دَمٍ يَصِيحُ تَحْتَ مَا ثَوَى
أَسْمَعُ صَوْتَ الطِّفْلِ يَبْكِي فِي التَّفَاصِيلِ
وَأَحْيَانًا يُقَهْقِهُ
وَأَحْيَانًا يُنَاغِي أُمَّهُ
يُلَمْلِمُ الْأَطْرَافَ كَيْ يُشَكِّلَ الْجُثْمَانَ مِنْ أَشْلَائِهِ
لَمَّا انْحَنَى الشَّاعِرُ فِي مَرْثِيةٍ دَامِعَةٍ
وَرُبَّمَا بَكَى
إِذَا حَكَى الْقَتْلَى وَمَا
اِرْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ
وَالْتَمَعَتْ أَرْوَاحُهُمْ
يُرَدِّدُ الصَّدَى نَشِيدَهُمْ
بَكَى الشَّاعِرُ قُدَّامَ الضَّرِيحْ
انْهَمَلَ الدَّمْعُ مِنَ السَّمَا
هَمَى
هَامَتْ ظِلَالُ الرُّوحِ
بِالْأَرْجَاءِ
لَمَّا انْهَمَلَ الدًّمْعُ
تَبَسَّمَ الثَّرَى
الْمَشْهَدُ امْتَدَّ وَمَدَّ، مَادَ
هَلْ مَادَ السَّرَابْ؟
بِالْمَشْهَدِ الْبَاقِي
أَرَى الْإِنْسَانَ عَالِقًا بِمَعْبَرٍ
أَرَاهُ عَالِقًا بِمَخْفَرٍ
أَرَاهُ عَالِقًا بِمَحْضَرٍ
أَرَاهُ حَائِرًا
أَرَاهُ طَائِرًا
يُكَاشِفُ السَّرَارَ
يَرْقَى دُونَمَا تَكْبِيرَةٍ
يُؤَبِّنُ الرَّبِيعَ دَيْدَنَ الْبَيَانْ
يُؤَبِّنُ الْوُرُودَ كُلَّمَا أَبَانْ
يُؤَبِّنُ الْحَيَاةَ وَالْإِنْسَانَ
لَمْ يَنْتَهِ الْقَاتِلُ
مَا زَالَ الْقَتِيلُ يُقْتَلُ
لَمَّا اسْتَفَاقَ الطِّفْلُ
لَمَّا انْطَفَأَ اللَّيْلُ
وَنَامَ
تَحْتَ أَرْضِهِ
فَهَلْ يُعَاوِدُ الْأَحْلَامَ؟
هَلْ تُعَاوِدُ الْأَحْلَامُ سَرْدَهَا لِمَا رَأَى؟
تُرَى
هَلْ يَذْكُرُ الطِّفْلُ خُرَافَاتِ الْهَزِيعِ الْمُقْمِرِ؟
هَلْ يَذْكُرُ الْحَيَاةَ
لَحْظَةً قَبْلَ الدَّمَارْ؟
الشَّمْسُ تُطْلِقُ الصَّبَاحَ
تَعْتَلِي سَمَاءَ يَوْمِهِ
لَا تَنْحَنِي
مَاتَ الْفَتَى
يَا أُمَّهُ
لَكِنَّهُ الْآنَ يُكَاشِفُ الظَّلَامْ
يُكَاشِفُ الْقَصِيدَ
يَعْتَلِي الْخَيَالَ
يَعْتَلِي السُّؤَالَ
يَعْتَلِي سَمَاوَةَ الْمَوَّالِ فِي مَوَّالِنَا الْمُغْتَالِ،
زَغِرِدِي
يَا أُمَّهُ
لِيُشْرِقَ النَّهَارُ
يَا أُمَّهُ
لَا تُخُفِتِي الْبَسْمَةَ
فَاللَّيِلُ مُخِيفْ
يَا أُمَّهُ
هَا قَدْ تَبَسَّمَ الْفَتَى
فِي حُلْمِهِ الْبَاكِي
فَأَشْعِلِي الشُّمُوعَ كَيْ يَرَاكِ
أَشْعِلِي الشُّمُوعَ
وَاذْرِفِي الدُّمُوعَ
ثُمَّ قُومِي لِلصَّبَاحْ
https://palfcul.org/?p=10252 رابط مختصر