24 March, 2025

أقولُ لها “إلى الكاتبة الفلسطينية بشرى أبو شرار” – قصيدة للشاعر أشرف قاسم

أقولُ لها “إلى الكاتبة الفلسطينية بشرى أبو شرار” – قصيدة للشاعر أشرف قاسم مشاركة ضمن موسوعة “غزة كفاح وجراح”

أقولُ لها

“إلى الكاتبة الفلسطينية بشرى أبو شرار”

أقولُ لها: تأخَّرَ فجرُنا

نبتت على جنباتِ وادي القلبِ

ألفُ متاهةٍ

صرنا كأبناءِ الشَّوارعِ

عرضةً للتِّيهْ

تخاصمُنا مدينتُنا

وتنكرُنا شوارعُها

مبانيها

أزقَّتُها التي شهدت بدايةَ حبِّنا،

لا شيءَ صارَ الآنَ يذكرُ حُبَّنا،

ما الأمرُ؟

فَرَّتْ دمعةٌ خجْلى على الخدِّ الأسيلِ،

عرفتُ حينَ رأيتُها،

أنَّ الأسى واليأسَ

فوقَ مراتبِ

التَّشبيهْ!

_ سُدىً سنموتُ دونَ الحلمِ؟

ثمَّةَ ما يفسِّرَ صيغةَ السُّؤْلِ المهيضِ

وكيفَ في هذا الغبارِ المُدلهمِّ نسيرُ؟

نقطعُ في قِفارِ العمرِ ألفَ مفازةٍ

نحتاطُ من ليلِ الصَّقيعِ بدفءِ أحلامِ الطُّفولةِ،

بالسَّرابِ،

بصدرِ أُمٍّ، أو حبيبٍ

فيهِ ندفنُ خوفَنا،

كي ما نواصلَ رحلةَ البحثِ العقيمِ عنِ السَّعادةِ

لم نجدْ إلّا الهباءَ،

فمَنْ لهذا الحلمِ سيِّدتي

لكي يُؤويهْ؟

تقول: تعبتُ،

_ كادَ الحلمُ

_ كادَ يموتُ

_ كادَ يكونُ

_ كادَ اليأسُ

أن يطويهْ!!

أنا وحدي..

وكلُّ العالمِ المهزومِ يتبعُني

تقولُ فراشةٌ في الرَّوضِ

شاغبَها النَّدى: عذرًا

سأمنعُ عنكمُ عطري

فأنتمْ سادةُ التَّشويهْ

يقولُ الفجرُ: كيفَ أجيءُ

والأطفالُ في القدسِ الحزينةِ

لم تجدْ لَبَنًا؟

وفي يافا ينامُ الحزنُ،

كيفَ أجيءُ؟

إنَّ الموتَ يتبعُ

آلةَ التَّنبيهْ!!

وغَزَّةُ مثلُ سردابٍ طويلٍ

تَعْبُرُ الأشلاءُ للأشلاءِ

تَعْبُرُ دمدماتُ الموتِ للأحياءِ

والأحياءُ يختلفونَ

يشتبكونَ حولَ

موائدِ التَّأليهْ!

سنرجعُ…

هكذا دومًا نُرتِّلُ سورةَ الشجعانِ،

نرسمُ صورةَ الأوطانِ،

نكتبُ سيرةَ الإنسانِ،

يا اللهُ!!

تقتلُنا التَّفاصيلُ الصغيرةُ عن طفولتِنا،

براءتِنا

يعذِّبُنا الرَّحيلُ المُرُّ،

تذبحُنا الحكاياتُ التي عَلِقَتْ بعُمقِ الرُّوحِ

ننسى؟

كيفَ ينسى القلبُ قصَّتَنا التي تنسابُ

نهرًا في جَديبِ الرُّوحِ

مهما حاول التَّمويهْ؟

نحاولُ أن نمرَّ الآنَ

مِن ثُقبِ ارتهانِ الحلمِ،

مِن سَّمِّ الخِياطِ /الوهمِ/

مِن وجعِ الحكاياتِ التي ارتسمتْ

على شُمِّ الجِباهِ،

تُرى نَمُرُّ؟

ترى نموتُ؟

أم الغيابُ سيذبحُ الحلمَ

الذي ما زالَ يعنيهِ الوجودُ،

ويرتضي بَرْدَ الملاجئِ

والشَّتاتِ؟

كأنَّنا في الأصلِ

لا نَعْنيهْ!

نسامرُ رُقعةَ الوطنِ

التي سكنتْ ضمائرَنا

نُعيدُ قراءةَ المكتوبِ

نَستدعي الوجوهَ مِنَ الغيابِ

نُطِلُّ مِن عَليائِنا

كي ما نرى هذا الخرابَ

فهل يرانا العالمُ الموبوءُ بالصَّفقاتِ؟

يسمعُ صرخةَ الطِّفلِ الذي

يشكو لوجهِ اللهِ موتَ رِفاقِهِ

يشكو لوجهِ اللهِ مِن بَرْدِ المُخيَّمِ،

جوعَهُ،

لا أُذْنَ تسمعُ ما يقولُ،

يموتُ كي نحيا

متى سنموتُ

كي نُحييهْ؟

هناكَ.. هناكَ

حيثُ بدايةُ التكوينِ،

حيثُ النَّبعُ،

حيثُ الصَّرخةُ الأولى

وحيثُ الضحكةُ الأولى

وحيثُ الرَّجفةُ الأولى لقلبٍ لم يزلْ يشتاقُ

رغمَ البُعدِ

رغمَ معابرِ التَّفتيشِ

والقضبانِ

رغمَ حواجزِ الطُّغيانِ

رغمَ دفاترِ الأحزانِ

بينَ هنا.. هناكَ

الآنَ كيفَ سيُعقَلُ

التَّشبيهْ؟

لماذا الآنَ يا بُشرى

تُخاصمُنا الخُطى؟

نمضي،

لنشعلَ في توحُّدِنا

حقولَ الحِنطةِ الخضراءَ،

زيتونَ الجليلِ،

السوسنَ الغافي على آبارِ غزَّةَ

والمتاهاتُ انشطارٌ بينَ ضِدَّيْنِ

انكسرْنا

ما انتصرْنا في حروبِ الدهشةِ،

الأحلامُ لا ترنو إلينا

ألفُ جرحٍ

ألفُ معراجٍ تحطَّمَ

ألفُ أُفْقٍ مُدلهِمٍّ

ألفُ حلمٍ مات في سوقِ النخاسةِ

لم يجدْ مَن يشتريهْ!

تُطلُّ الآنَ مِن “دورا” الحياةُ

على رمالِ اسكندريَّةَ

يَسْتنيمُ الموجُ فوقَ أكفِّنا

لا البحرُ يقرأُ ما نخبِّئُ مِن رسائلِ وَجْدِنا

أو يستطيعُ الرَّملُ أن يتلو

كتابَ حنينِنا،

“شالُ القطيفةِ”

قُرْطُ أُمِّي

نورُ كلِّ وصيَّةٍ لأبٍ يسافرُ في السَّديمِ

ووجهُ “ماجدَ” حينَما يغفو

على صدرِ البلادِ

يَحوطُهُ نورُ الملائكِ

يصطفيهِ الآنَ قلبُ “زليخةَ”

القالتْ لهم:

هذا الذي لُمْتُنَّني بالأمسِ

فيهْ!!

أتنكرُنا البلادُ الآنَ؟

تفتحُ صدرَها للأدعياءِ؟

السَّارقينَ النُّورَ من وجهِ الصَّباحِ

الرَّاقصينَ على دماءِ شهيدِنا

تنسابُ أغنيةٌ معذِّبةٌ على وترِ الكمانِ

الآنَ يبكي اللحنُ

يبكي الشِّعرُ

يبكي العازفونَ

ويحتوي قلبَ المُغنِّي الاِنهزامُ

فأيُّ معنىً للحياةِ ونحنُ نرزحُ تحتَ وطأةِ غُربةٍ

ونقايضُ الأحلامَ بالأحزانِ

نصنعُ مِن لُهاثِ قلوبِنا

لحنًا مِن الصَّبرِ المَريرِ

ونَجْرَعُ المُرَّ الذي ينسابُ في ظمأٍ

لِعُمْقِ القلبِ

لا يَرويهْ

تطلُّ الآنَ يا بُشرى

وجوهٌ مِن ضبابِ القُدسِ

تقرأُ سورةَ الشُّهداءِ،

مِن “مُدنٍ بطعمِ” فداحةِ “البارودِ”

تَضْفرُ جُرحَها بجراحِنا

تَهْمي الدِّماءُ

لِيختبي في الدَّمعِ “تاجُ الياسمينِ”،

أليسَ في “قارورةِ العِطرِ” التي انسكبتْ

بقايا من روائحِنا؟

قليلٌ مِن حكايتِنا التي انقطعت

بصوتِ أزيزِ طائرةٍ مُوجَّهةٍ

لِمَسْرى النُّورِ؟

“سُبحان الذي أسرى”

بروحِ المُبْعَدِ المحزونِ

كي يُدنيهْ!!

أفتِّشُ في دفاترِ حُزنِكِ المخبوءِ

عن وطنٍ رسمتُ سَماهُ في روحي

يَئِنُّ كَروحِ مَجروحٍ

تَنِزُّ دِماهُ مِن “صَبْرا وشاتيلا”

قرأتُ الأحرفَ الأولى

بِسِفْرِ شتاتِنا الما زالَ يُشعلُنا

قناديلًا

على دربِ الرِّياحِ الهُوجِ

نسترضي الزَّمانَ الفَظَّ،

رغمَ الصمتِ

نَسترضيهْ

سنبقى رغمَ هذا الليلِ

نرسمُ صورةَ الفجرِ الجديدِ

على جدارِ الاِنتظارِ

نعلِّمُ الأبناءَ والأحفادَ

أنَّ الليلَ مهما طالَ

سوفَ يجيءُ نورُ الفجرِ

سوفَ يُطلُّ وجهُ الشَّمسِ

سوفَ نعودُ

سوفَ نعودُ

للوطنِ الذي ما زال يَسكنُنا

لنسكنَ فيهْ!!

https://palfcul.org/?p=9074  الرابط المختصر

 

 

 

Font Resize