23 March, 2025

الربوة – بقلم عادل إبراهيم

إن فلسطين كانت ولا تزال تلفظ كل ما هو كريه ومزيف تدرك الحقيقة و إن غابت وتكشف ما هو غير منطقي و إن اقر، وإنها على مر العصور لم يستطيع احد أن يطمس هويتها أو ملامحها أو ثقافتها على مر العصور تدرك بحسها المكاني والحضاري إنها إذا دخلت إلى نفق مظلم فان هذا استثناء وشيء عارض وان النور في نهاية هذا النفق هو حق لا يمكن التنازل عنه، وان نظرنا داخل كل فلسطيني مهما كان مكانه أو مكانته نجد فيه جزء من تاريخه يستعين به في وقت المحن والصعاب ، بتلك الكلمات نبدأ قصتنا والذي بطلها هذا الشيخ الذي اختار لنفسه العيش في خيمة بسيطة فوق ربوة احد تلال صحراء النقب  الفلسطينية و التي جمعه معها شموخها وتمسكها بالأرض لا تقهرهما وحده أو قسوة طبيعة ،اعتاد فيها الشيخ على الهدوء و السكون لا يسمع  إلا  صوت أغنامه التي تتحرك حوله باحثة عن بقايا عشب تأكله، انه مكان تتجلى فيه الذكريات و تتضاءل فيه الأماني  فأقصى طموح هذا الشيخ هو قدوم ضيفا  ليشرب معه القهوة التي هي دائما ساخنه فوق حطبه المتوهج أو يشاركه طعامه البسيط وكانت قمة سعادته حين يمد بصره إلى ذلك الأفق الممتد أمامه بلا نهاية ليرى شروق الشمس وغروبها متأملا بديع قدرة الله ،لم ينتظر الرجل ضيفه طويلا ليسمع شخصا ينادي اسفل الربوة ولما استطلع الأمر وجد جندي فلسطيني جاء إليه يطلب الماء والظل والراحة ليكمل طريقة إلى مكان معسكره والذي لا يصله إلا سيرا على الأقدام عبر دروب النقب الوعرة ، ليحيه الشيخ و يطلب منه الصعود و ما إن اقترب منه الجندي حتى احتضنه و كأنه يعرفه و ادخله خيمته وأجلسه ثم قدم له القهوة و الماء و سأله إذا كان يريد طعاما أيضا إلا أن الجندي شكره فهو على عجلة من أمره و ما أن أخذ حاجته حتى أستأذنه في الرحيل ثم انطلق في طريقة ، بالرغم من الفترة القصيرة التي قضها الشاب مع هذا الشيخ ليلتقط فيها أنفاسه  و يروي ظمأه بكوب من الماء إلا انه ترك في نفسة تأثيرا عجيبا فبشرته السمراء وملامح وجهه البدوية أعطته أحساس انه شخص مألوف لديه وشعور داخلي بأنها ليست المرة الأولي التي شاهده فيها و الغريب أيضا أنه بالرغم من قسوة تلك الملامح و صرامتها إلا أنها لا تعبر مطلقا على ما بداخله من فطره في الطبع وبساطة في النفس أنه رجل تعجزك قسمات وجهه عن تحديد مقدار عمره فقد نحتت بيد الدهر لتبرز فيه زمن ماضي بحلوه و مره وإذا نظرت إلى عيناه اللامعتان الغائرتان داخل مقلتيه مع ذبولها تبدو و كأنهما كتاب مملوء بالذكريات والأحداث وإذا حدثك تجد في  صوته دافئ عميق له صدى يجبرك على الاستماع له ويعيدك إلى زمان بعيد لم تعشه ، لم تكن  صورة هذا الشيخ وملامحة هي الشيء الوحيد الذي ارتسم في ذهن وعقل هذا الجندي وحفرت في ذاكرته فقط ولكن  أيضا  تلك الكلمات القليلة التي حدثه فيها عن ارض النقب و عشقه لها و ما

 مرت عليه فيها من أحداث تلك الكلمات أن كان لم يفهم لها مدلولا أو معنى إلا أنها مست داخله  وأعطته أحساس أنها رسالة من شخص لا يعرفه إلى من يهمه الأمر، لم يمضي وقت طويل حتى اختفى الشاب ببذلته العسكرية وراء تلك  التلال  وقد وقف الشيخ أمام خيمته  يراقبه و قد أحاط به من كل جانب  تلك الأغنام التي كانت تنظر إليه هي الأخرى وكأنها تودعه ، عاد الشيخ  إلى مجلسه و ما كان عليه من صمت وتأمل وقد اشعل أمامه النار ووضع فوقها إناء القهوة في انتظار أي ضيف أو زائر أخر قد يأتي ، وبرغم من وحشة المكان وقسوته إلا أن الشيخ لم يتملكه هذا الإحساس ولم يشعر به قط ، فقد ارتبط بهذه الأرض وتعلق بكل جزء فيها متمسكا  ببداوتيه وباديته وبتلك الربوة التي إذا نظر من خلالها إلى كل ما حولها يشعرانه سيدها  بكل ما فيها من أشجار وطيور وجبال ووديان  وان حريته فيها لا حدود لها وان هذه الحرية ممتدة امتداد الأفق  فما أروع أن تكون في بلدا حر ،لقد عشق هذا السكون وهذا الهدوء والذي كان يمزقه صفير ذلك الريح الرقيق الذي يصل إلى الأذن كصوت ناي يطفى عليك أحساس بالشجن والحنين،انه عالمه الخاص الذي إذا اغمض عينيه كان أخر شيء يراه و إذا فتحها كانت أول شيء يشاهده ، بدا الليل يسدل ستائره لخيم الظلام على كل شيء إلا من بصيص ضوء أوجدته تلك الشظية المتوهجة أمام الشيخ الذي بات ينظر إليها و هي تنطفأ شيئا فشيء لتأخذه معها وتسحبه من يومه وتدخله في نوم عميق ليخضع كل شيء حول الخيمة لقانون الطبيعة الذي لا يقبل تغير أو تعديل لتحاكي أيضا ما يدور في  فكر و عقل هذا الرجل الكهل فهو على ثقة عندما راح في سباته أن مملكته التي يحكمها لا يمكن أن ينازعه فيها احد و أن حدث فأنه على أستعداد أن تكون حياته ثمن للدفاع عنها  ، لم يكن الشيخ عمران يدري أن هناك من يراقبه ويتربص به و يريد أن يغير من جغرافية  المكان والذي هو جزء منها ليستيقظ علي نبح الكلاب ونقيق الغربان وقد امتزجت بأصوات لم يعتاد عليها اسفل الربوة  و ما أن هم بالخروج ليستطلع الأمر فإذا  بأشخاص   يلبسون رداء اليهود المتدينين ( الطيلسان) وعلى رؤوسهم غطاء راس صغير ( الكيباه) ويحملون البنادق والرشاشات يصعدون إلى الربوة وما أن وصلوا إلى الرجل الذي كان واقفا مذهول مما يرى حتى التفوا حوله ثم تقدم احدهما و طلب منه أن يتحدث معه داخل الخيمة ، كان على الشيخ عمران في هذا الموقف أن يظهر لهم عدم خوفه منهم ليطلب من الرجل  أن يترك سلاحه قبل دخوله إلى الخيمة لان من يدخلها سوف يكون ضيفه و حمايته واجبه عليه أبتسم الرجل المسلح و هز رأسه ليعطي بندقيته لاحدهما ليدخل الشيخ و من وراءه الرجل ليجلسا يشربان القهوة وقد تصادف وجود شاة صغيرة إلى جوار الرجل ليشعر بضيق منها ليقوم بضربها بيده لإبعادها عنه لتجري الشاة من أمامة وأثناء ذلك تتعثر في جره لتقع و تنكسر محدثه صوتا ودويا كبير ليقتحم المسلحون الخيمة ومن ثم اندفعوا إلى داخلها خوفا أن يكون هناك خطرا على رجلهم و قد اشهروا أسلحتهم ليصاب الشيخ بالفزع منهم  و يهم بالوقوف ليصرخ فيهم محاولا فهم ما يحدث ، أشار ما يعتقد انه زعيمهم إلى المسلحين بيده بأن كل شيء على ما

يرام و هدأ من روع الشيخ وطلب منه الجلوس  لان هناك أمر يريد أن  يتحدث معه فيه ، جلس الجميع و بدأ الشيخ في تحيتهم وقبل أن يبدأ احدهم بالكلام  أصر الشيخ أن يقدم لهم القهوة أولا فهذا من عادات العرب وبعد أن انتهى من واجب الضيافة عاد إلى مكانه في صدر الخيمة وأعاد عليهم التحية وسكت ليبدئ زعيمهم  بتوجيه الكلام إلى الشيخ أعرف جيدا أنك لا تعرفنا فنحن السامريون اليهود الجدد كتب علينا  الدفاع عن أرض الميعاد  و أعادتها  لنا مرة أخرى وقررنا أن ننطلق برسالتنا من على هذه الأرض المباركة ارض النقب و ذلك لإعلان قيام الدولة اليهودية من جديد بعد أن نزعت منا على يد جماعتكم الإرهابية و نعيد  من خلالها عزة الدولة اليهودية و مجدها  و نحن مصممون على ذلك مضحيين بالغالي و النفيس و حتى و لو استخدمنا قوة السلاح ونريد منك  أمرا عليك بتنفيذه بدون قيد أو شرط ، نظر الشيخ إلى الرجل مستغربا من كلامه غير مصدق ما يرى ، ظهر الغضب على الشيخ مستنكرا من هذا الرجل اليهودي الذي أمامه أن يصدر له أمر أو يرغمه على فعل شيء لا يريده ، استهزأ الشيخ من كلام هذا المعتوه و مما يقول  و ذكره بأن  عهد إصدار  الأوامر و أرغمنا على تنفيذها  قد ذهب و انتهى  أنتم الآن في دولة فلسطين ألم تدرك ذلك بعد ،و الآن ماذا تريد مني ؟  لم يلقي اليهودي بالا و لا اهتمام بكلام الشيخ  و لا بنبرته الحده في الحديث معه و بدأ يتحدث عن السبب الذي جاء إليه من أجله ، أننا لا نريد منك شيئا غير أن أن تترك لنا هذه الربوة وتأخذ خيمتك و ترحل ليكون هذا المكان مركز لنا  نستخدمه للقيادة والمراقبة وسوف نعطي لك التعويض الذي تطلبه  ،وهنا وقف الشيخ من مكانه غاضبا وقد تغير وجهه وقال موجها كلامه لمن في الخيمة جميعا والله لو تعطوني مال الدنيا ما تركت مكاني هذا والآن ارحلوا من هنا فلا مجال للنقاش في هذا الموضوع ،جاءت كلمات الشيخ حادة وقاطعه وتحمل كل معاني التحدي ليقف من كانوا بالخيمة  وقد هموا بإطلاق النار عليه إلا أن زعيمهم رفع لهم يده ليمنعهم من ذلك  فقتله سوف يجلب لهم المشاكل و هم ليسوا على استعداد لها الآن ،تحرك اليهودي ليكون في مواجهته وقد وضع يده على كتفي الشيخ محاولا  تهدئته  و في نفس الوقت تهديده لولا انك رجل كهل لكان لنا معك شأن أخر وعلى أيه حال سوف نتركك لتفكر وان غدا لناظرة قريب ،بتلك الكلمات التي تتسم بالتهديد ترك هذا اليهودي ومن معه المكان رافع يده ليحيه شالون  لينطلقوا من حيث أتوا، تسمرت ارجل الشيخ في مكانها  واحس انه في كابوس، فمن أين أتوا هؤلاء ؟ انهم  يهودا بالرغم من أن أوجهة بعضهم لا تدل على ذلك وأي دولة يهودية  يقصدون فقد أنتهي هذا العصر ما كانوا  يعيشون فيه ، هل يعيد اليهود الكره و يصدروا لنا ما حدث في سنة 48 ثانيا  ؟ أسئلة لم يجد هذا الحكيم لها إجابة إلا أن الشيء الذي ايقنه في تلك اللحظات أن شيئا خطير إما أن يكون قد حدث أو قد يحدث في النقب ثم في فلسطين  وان هؤلاء جاؤوا إلينا يضمرون شرا  لا يعلمه إلا الله ،استدار الشيخ وعاد إلى خيمته والتي لا يعلم كيف ساقته قدميه إلى خارجها و كيف عاد أليها من هول المفاجأة الذي أصابته بمجيء هؤلاء اليهود ليعود إلى داخل خيمته باحثا فيها

عن بندقيته التي لم يستعملها منذ كان اليهود في يحتلون النقب و يقوم بمقاومتهم مع زملائه الفدائيين، قوم الشيخ بصيانتها و إدخال الرصاص فيها ليقرر أن يدافع عن ربوته وخيمته أو أن يموت دونهما كما فعل سابقا أيام الاحتلال الصهيوني وكأن الزمان يعيد نفسه و لكن في هذه الحالة  انعكس الأمر  فاليهود تحولوا إلى مقاومين للدولة الفلسطينية ومطالبين باسترداد دولتهم ،كان الشيء الذي ايقنه الشيخ أن من جائوه هم المستوطنين الجدد و تشابهوا مع من كانوا قبلهم من اليهود في مطمعهم  وهو احتلال ربوته و طرده من خيمته وانتزاع نمط حياته التي اعتاد عليها ومن هنا سيطر عليه القلق و تحولت حياته من سكون وطمأنينة إلى خوف من مجهول و عدو عاد من جديد بكل شراسة  ،ايقن الشيخ أن عليه حمل البندقية والرصاص بدلا من العصا التي كان يهش بها على غنامه مترقبا كل ما يلوح في الأفق أو ما يتحرك على الأرض ليمضي الوقت بطيئا ليل يعقبه نهار لا يدري كم من ظلام قضى وكم من فجر اضحي ليأتي يوم و بينما هو مستلقي على فراشه من فرط تعبه  وقبل أن تغفوا عيناه ويدخل في النعاس فإذا بأصوات الرشاشات ودوي الانفجارات تفيقه من غفوته ليتحول السكون إلى ضجيج ويمتزج الأفق الصافي بالدخان ليوقن الشيخ آنذاك أنها بداية النهاية لهذه الأرض ،لقد نزل بها الشياطين ليحولها إلى خراب اتجهت عين الرجل إلى مكان ومصدر دوي الانفجارات ليتبين له أنها قادمة من معسكر الجيش  الفلسطيني خلف التلة وبعد لحظات  وبينما هو يراقب ما يجري فإذا به يجد وعلى مرمى البصر جنديا فلسطيني يحمل زميله محاولا الصعود به إلى الربوة وقاصدا خيمته ليلقي الشيخ بندقيته ويهبط مسرعا ليساعده على ذلك، و ما أن وصلا  إلى داخل الخيمة حتى القياه برفق على الأرض واسرع الجندي  لإسعاف زميله ولكنه مع الأسف كانت الإصابة قاتله و فارق الحياة شهيدا لبلده ووطنه ليجلس الجندي إلى جواره وقد أصابه الألم والحزن واجهش بالبكاء، فهذا الشهيد هو رفيق عمره وكان بعد اشهر سوف يصبح عريسا لأخته لكن يد الخسة والخيانة امتدت لتقتل الأمل وتقضي على الحياة ،امسك الشيخ بيد الجندي ورفعة إليه  و احتضنه ليخفف عنه ثم طلب منه أن ليقفا معا لقراءة الفاتحة عليه ،كان مشهدا حزينا و مؤلم لهذا الجندي وهذا الشيخ و بينما هما في ذلك الموقف المهيب أذا بهما يسمعان أصوات حركه اسفل الربوة فأحسى بأن هناك شر قادم فقد عاد هؤلاء الملاعين لا للشيخ فقط  هذه المرة  بل له ومن معه ،  قام كلا منهم بالاستعداد فأمسك الجندي الفلسطيني برشاشه والشيخ ببندقيته وخرجا بهدوء و حذر من الخيمة ليجدوا خيالات وظلال تتحرك محاولته الصعود إلى اعلي الربوة وعلى الفور وضع الشيخ يده على الزناد  للاستعداد لمقاتلة هؤلاء الصهاينة  لكن الجندي طلب منه ألا يطلق النار بدون أن يأمره، كتم كلا منهم أنفاسه وراح ينتظران هذه الجرزان المتسللة  حتى ويوقعهم في الكمين الذي أعدوه للقضاء عليها وفي الوقت المحدد أشار له الجندي بإطلاق الرصاص ليقوم الاثنين بتصويب أسلحتهم إلى كل شيء يتحرك في اتجاه الربوة أو أسفلها كانت الشجاعة والإصرار الذي اظهره الرجلين في  الدفاع عن الربوة سببا في فرار هؤلاء اليهود

فقد اعتقدوا من كثرة الرصاص الذي انهال عليهم وما جدوه من مقاومة أن هناك أفراد كثيرون يدافعون عن ذلك المكان و أدركوا أن الوصول إليه الآن أمر صعب الآن ، ليتوقف القتال لكن  الرجلين ظلا في مكانهما دون حركه وفي حالة ترقب وحذر ليخيم الهدوء على كل ما حولهما وبدا وأن الأمر اصبح امن وما أن هما برجوع إلى الخيمة حتى سماعا أصوات أنين أتية من مكان  قريب منهما وعندما هم الشيخ لاستطلاع الآمر امسك الجندي يده واجبره على السكون وعدم الحركة وأشار له انه سوف يقوم هو بتحري الآمر وطلب من الشيخ حماية ظهره ليتحرك الرجل وبمنتهى الرشاقة والخفة في اتجاه الصوت وعندما وصل إليه وجد احد المهاجمين وقد أصيب في ساقه فهم بحمله لإسعافه وبينما هو يقوم بذلك أذ بالشيخ يقفز إلى ناحيته وينقض على جسم شخص ملقى بجوار الرجل المصاب وكانه شاب  في العشرين ومن ثم قام بشل حركته و بانتزاع سلاحه منه  الذي كان مصوبا في اتجاه الجندي و كاد أن يقتله به وما أن سيطر عليه حتى أمره بالتحرك في اتجاه الخيمة وعندما وصلوا وضع الجندي الفلسطيني الشخص المصاب على الأرض في حين قام الشيخ بتقيد أيدي وارجل وفم المسلح الآخر لتتغير معالم الخيمة تماما، فهناك شهيد ومسلح مصاب وأسير، كان على الجندي الإسراع بإخراج الرصاصة من ساق المصاب لأنه كان ينزف بشكل كبير فأسرع بإحضار حقيبة الإسعاف الخاصة به لإخراج الرصاصة من ساق الرجل و الغريب أنه كان  يتألم  بلهجه عربية شامية ،ما أن انتهى الجندي من أخراج الرصاصة حتى قام بإعطائه حقنه لينام ، انهي الجندي مهمته بنجاح وجلس ليستريح في ركن من الخيمة ثم طلب من الشيخ كوب ماء وجلس في ركن من الخيمة وبدأ في إشعال سيجارة ،جاء الشيخ وجلس إلى جواره مقدما له كوب الماء ناظرا إليه ومتأملا ملامحه فهي ليست غريبه عليه فهذا  الجندي هو الذي مر عليه منذ أيام وطلب منه  كوب الماء  ليشربه و هو يشرب منه مره أخرى مع اختلاف الظروف ،كان على الجندي أن يعرف نفسه للشيخ فهو مجند دكتور مازن من الخدمات الطبية في الجيش الفلسطيني و هذا رفيقي الشهيد  المهندس إسلام ونحن دفعه واحده لينظر الشيخ إلى الإرهابي اليهودي  وقد امتلاء غيظا وحقدا عليه خاصا انه علم من ملامحه وطريقة ملبسة  انه يهودي متطرف  ومن أحدى الدول الأوروبية، قام  الشيخ من مكانه واتجه إليه وقد امسك بشعر لحيته  قالا له انتم قتله لعنة الله عليكم وهنا يتدخل مازن وطلب منه الهدوء حتى يتمكنا من التفكير فيما هو قادم، اتفقا الجندي و الشيخ على  دفن الشهيد  أولا  في مكان قريب من الخيمة لأن   هؤلاء الأوغاد ينتظرون نزول أي أحد  للفتك به  ولذلك لابد أن يظلوا في مكانهم  حتى تأتي المساعدة بدأ الجندي الشيخ بلف الشهيد بقطعة من القماش و من ثم قاما بدفنه بعد أن صلوا عليه ،كان على مازن أن يريح الشيخ الذي ظهرت عليه علامات الإرهاق والتعب فطلب منه أن يأخذ قسطا من الراحة على أن يقوم هو بالحراسة خارج الخيمة فالأسير مقيد  وذلك المصاب راح في نوم عميق نتيجة المخدر الذي أخذه أثناء اخرج الرصاصة و سوف يأخذ وقتا حتى يفيق ، وافق الشيخ على أقتراح الجندي ونام وهو

 جالس وبندقيته بين يده ليخرج مازن باحثا عن مكان قريب يستطيع من خلاله التحصن فيه للدفاع عن الخيمة والربوة أذا ما أستدعى الأمر وفعلا وجد صخره صلبه وكأنها تشكلت لتحقق له ما يريد ليجلس داخلها ومتحصنا فيها ودون أن يدري ورغم عنه  غفت عيناه للحظات وعندما فتحها كانت الشمس قد سطعت ليجد أمامه فتاة وكأنها ملاك هبط من السماء في زيها البدوي الجميل وقد أحطتها أشعة الشمس من كل جانب لتكون لها هاله مضيئة عجزت عيناه أن تتحملها ليقف الجندي مشهرا سلاحه نحوها  مستفسرا عن سبب وجدها في هذا المكان  و يعرف من أين أتت ؟، انزعجت الفتاة من الطريقة التي تحدث بها هذا الشاب معها وقد احمر وجهها من الموقف لتبلغه أن جدي هو الشيخ عمران صاحب هذه الخيمة وأني قد أحضرت له الطعام والخبز  فأين هو ؟هل هو بخير ؟ أصيب الشاب بالخجل و أعتذر لها عما بدر منه و طمئنها بأن جدها بخير  وأخذها إلى الخيمة ، أقبلت الفتاة على جدها وقبلت يده ليقف الرجل وقد ازعجه وجود حفيداته في هذه الظروف و سألها عن كيفية الصعود إلى الربوة و هناك مسلحون  يتربصون لمن يحاول أن يصعد إلينا ، ظهرت  على الفتاة علامات الثقة في نفسها فهي  فلسطينية وحفيدها الشيخ عمران و هذه الأمور مرت عليها كثيرا أيام الاحتلال فلن يعجزها هؤلاء الجرزان وبلسان بدوي قالت أن أهل مكة أدرى بشعبها يا جدي ، أمرها الشيخ عمران بالعودة وطلب المساعدة من أهلها و عشيرتها لأنهم في مأزق لتسرع الفتاة بالخروج لتنفذ ما طلبه منها جدها وقد رافقها مازن لتوصيلها خارج الخيمة لكن  اليهود المسلحين  كان رأي أخر فلم  يسمحوا لها بذلك ،نهال الرصاص الغادر على الربوة مثل المطر ليأخذ مازن  الفتاة وينبطح بها أرضا ويسحبها إلى داخل الخيمة ، ازدادت الأمور تعقيدا داخل الخيمة  فقد استولى  الأوغاد على بئر الماء اسفل الربوة وقتلوا الأغنام بإطلاق النار عليها وهي ترعى لإجبار من بالخيمة على الاستسلام والنزول إلى الوادي تحت ضغط الجوع والعطش ،جلست راويه إلى جوار جدها متماسكه غير مباليه و  لا خائفه وبدأت في أعداد القهوة له ولمازن دون أن تعطي لما حولها أي اهتمام  ،أخذ الشيخ بندقيته ومعه حفيداته  ليقوما بالحراسة بدلا من مازن الذي جلس  ليأخذ قسطا من الراحة ،  لم يدرك الجميع أن هناك ثعبان يهوديا نجسا داخل الخيمة يتحين الفرصة ليبخ سمه في كل من يقف في طريقة وانه يتحين الوقت المناسب  لفك اسره والقضاء عليهم و الهرب ،استغل الإرهابي اليهودي استرخاء مازن وغفوته وبدأ في فك قيد يده عن طريق قطعة من الصخر كانت موجدة بجواره وبعد جهد استطاع تمزيق الحبل الملتف حول يده  ثم قام وبهدوء شديد بخلخلة قيد قدمة دون أن يفكه حتى لا يلفت الأنظار إليه ويلاحظوا أنه فك قيده لتأتي اللحظة الحاسمة و يقوم  بالاستيلاء على السلاح الموجود بيد الجندي أو الشيخ والذي سوف يمكنه بقتل  من بالخيمة ويلوذ بالفرار، وفي تلك الأثناء تدخل راويه إلى الخيمة لإحضار الطعام الذي أحضرته معها لجدها و أعطاء مازن نصيبه منه ليراقبها هذا الذئب الدنيء بعينية التي امتلأت شهوة  ورغبة فيها ،أيقظت حركة الفتاة داخل الخيمة الجندي ليعتدل في جلسته ليسألها عن الشيخ لتخبره انه في

 الخارج للحراسة ثم قدمت إليه قطعة من الخبز والجبن وعلى الرغم من أنها لم تمكث وقتا طويلا في الخيمة إلا أن جدها قلق عليها في ظل وجود هؤلاء الغرباء فاسرع إليها حتي يطمئن عليها، كانت راويه تهم للعوده إلى جدها بعد أن أعطت مازن الطعام و إذا  بجدها يدخل  و يعود ليجلس إلى جوار مازن فالوضع في الخارج هادي إلى الآن لتقبل عليه راويه لتعطيه نصيبه هو الأخر من الطعام  ،ترك الشيخ سلاحه إلى جواره لكي تستطيع  تناول الطعام ، كان اليهودي الإرهابي يراقب كل ما يحدث حوله من تحركات  وما أن لاحظ  وجود  السلاح و قد تركه الشيخ من يده  في تلك الأثناء وفي لمح البصر انتهز الإرهابي الفرصة فأنقض بسرعة ولتقط سلاح الشيخ القريب منه وثم أستخلص سلاح مازن  أيضا ليصاب الجميع بالذهول من المفاجئة ثم أمرهم بالانبطاح أرضا ووضع ايديهم خلف ظهورهم وقيدهم بالحبال ليتجه نحو راويه و أمسكها من يدها أجلسها إلى جواره في احد أركان الخيمة مشهرا سلاحه نحوها محذرا إيها بالا تتحرك،  كان على هذا الإرهابي إفاقة زميله حتى يأخذه معه لكنه  فشل فهو مازال تحت تأثير المخدر ،كان على الإرهابي العمل على عدم ترك زميله فقرر الانتظار حتى يسترد وعيه و يعود به ، في الحقيقة لم يكن هذا التصرف نابع من أو رجولة شهامة لإنقاذ زميله أو حتى من واجب ما تحتمه عليه شرف العسكرية  بقدر ما هو أجراء عليه فعله حتى لا يقع في ايدي الجيش أو الشرطة الفلسطينية فهو يعرف الكثير من الأسرار ولولا إحساسه أيضا أن استيقاظه بات وشيكا لكان قد قام بقتله ، عاد اليهودي الإرهابي إلى مكانه وطلب من الفتاة أن تناوله قطعة خبز وكوب ماء، ترددت الفتاة في تنفيذ ما طلب فإذا به يصرخ فيها ويشهر السلاح نحوها لتتحرك في بطيء وحذر  وتحضر ما أراد ،ما أن اقتربت منه حتى امسكها بكل قوة وعنف و بدأ في تمزيق ملابسها محاولا اغتصابها وسط صراخها وعويلها وأصوات الشيخ والجندي مازن التي تعالت بالسباب واللعنات عليه،وفي خضم ذلك وخلال هذا الهرج داخل الخيمة جاء صوت اجهش و بلهجة قوية عربية  ليقول اترك البت يا زالمه  وإلا فرغت الرشاش هذا في راسك ليتوقف الإرهابي عنها ويتركها لتنتزع نفسها منه وأخذت تلملم ما تبقى من ملابسها لتستر نفسها واندفعت في اتجاه الشيخ عمران الذي اعتدل من انبطاحه بعد عناء شديد لتحتمي فيه وقد أجهشت في البكاء ،هم اليهودي الإرهابي محاولا أن ليلحق بالفتاة ليقوم بعادتها إلى مكانها إلا أن الرجل المصاب طلب منه الجلوس وعنفه على فعلته فقال له الإرهابي أن هذه الفتاة أسيرة حرب وانه من حقه أن يفعل بها ما يريد  وهنا وبلهجة عربية شامية قال له الرجل قسما بالله لو عملت ذلك مرة أخرى في أي بنت أو ست عربية لأكون فاصل رقبت عن جسمك، صمت الإرهابي قليلا ووضح عليه أنه تخلى عن نيته  بذاء الفتاة  ورفع يده معتذرا له ولم يعقب ثم وقف مقتربا من مازن  وبدون كلمه و بدم بارد وجه  رشاشه إلي راسه قاصدا قتله ليطلق الجندي الشهادة و أستعد للقاء ربه وقبل أن يضغط اليهودي على الزناد و تخرج الرصاصة منها إذا بالرجل المصاب يلتقط رشاش الجندي و يطلق النار عليه فيوقعه قتيلا لتصرخ الفتاة من شدة الخوف وسط ذهول الشيخ و

 الجندي ثم طلب من  إلى الفتاة أن تفك قيدهما وما أن اطمئن من تحريرهما حتى ارتمى على فراشه و أخذ يصرخ من الألم ،أسرع مازن  إليه و قام بإعطائه حقنه تخفف عنه ألامه ثم أتجه إلى جثة زميلة و قام بسحبها خارج الخيمة ومن ثم قام بإلقائها من فوق الربوة ،كان المكان قد أمتلاء بالدماء من جراء جرح الإرهابي و قتل الآخر ليطلب الشيخ من راوية تنظيف المكان من تلك الدماء و أثناء ذلك اقتربت من الرجل المصاب لتسمع صوته يطلب منها الصفح عما حدث لها لتهز له برأسها وسألته أن كان يريد شيئا فاستئذانها أن تصنع له كأس من الشاي وتحضر له ملابس لأنه يريد أن يتخلص من هذا العار الذي يلبسه والذي سيطر علي هويته وعقله ،وهنا سأله مازن في دهشه عن عدم تركه لزميله يقتلني وانتم امس قتلتم منا الكثير بدم بالرد؟ ولماذا منعته من إيذاء الفتاة وانت تسير على نفس النهج؟ نظر الرجل إلى مازن  وقد ظهر عليه شعور بالامتنان له  و أستنكر أن يجعل زميله  يقتله وانت أنفذت حياتي وكان بإمكانك القضاء علي ثأرا لزميلك ولكنك لم تفعل فحملت لك الجميل أما الفتاة فقد فار الدم في عرقي عندما رأيته يحاول هتك عرض بنت بلدي فانا دروزي عربي و برغم أني أحمل الجنسية اليهودية غير أن الشهامة والنخوة ما زالت تجري في كل جزء من جسمي و دمي ولم أتحمل أن ينتهك عرض أمرأة  أمامي تحت أي مسمى فما بالك وهي بنت عربية ، ليقوم الشيخ والجندي ليحتضنا الرجل والذي امسك بهما بكل قوة وكانه كان ضائعا وتائها وعاد إلى ديارة وأهلة ،لقد طغى هذا المشهد على كل شيء يدور حولهم حتى انه أنساهم ما يحيط بهم من أخطار وما قد يتعرضون له من موت ،كان ما قام به الجندي مازن و الشيخ من مقاومة كفيلا أن يستفز اليهود الإرهابيين ويشعرهم بالإهانة بسبب هزيمتهم و أيضا مقتل زميلهم و ألقاؤه من فوق الربوة  فقروا الانتقام له و أستعادة كرامتهم فعدوا العدة لاحتلال الربوة بأي ثمن  وقتل كل من هو موجود فيها   ليقوموا بإطلاق الرصاص على الربوة من كل اتجاه لتنهي أصواتها ما يدور بين الشيخ و الجندي وبين الرجل العربي  وتعيدهم إلى واقعهم الرهيب ليخرج الجميع من الخيمة بما فيهم راويه وقد حمل كل منهم سلاحه ليدخلوا في مواجهة غير متكافئة مع مجموعة من  المستوطنين اليهود الجدد   لتشتد المعركة ويدرك مازن بحسه العسكري أن كافة الميزان لن تكون لهم وخاصة أن الذخائر قد بدأت في النفاذ ولكنه مع ذلك  كان يأمن بقدرة الله و أن الله لن يضيعهم ليزداد الأمر سوء بعد إصابة الشيخ في ذراعه و على الرغم من ذلك فقد أصر على الاستمرار في قتال هؤلاء الأشرار حتى أخر نفس ،وهنا نظر مازن إلى السماء وقال بكل ما أتاه الله من قوة الله اكبر الله اكبر ليردد وراءه كل من معه الله اكبر الله اكبر ليصرخ بعدها اثبتوا وقاتلوا أن النصر قادم أن نصر الله قريب وفي لمح البصر دخل مازن الخيمة وعاد مسرعا ومعه قاذف للأنوار الكاشفة الذي أمدته بها القوات المسلحة  الفلسطينية لاستخدامها في حالة الطوارئ ليقوم بإطلاق العديد منها حتى يشعر القوات في معسكره القريب خلف التلة أن شيء ما يحدث في  هذه المنطقة وفي نفس الوقت يلقي الرعب في قلوب المهاجمين ،ليتحول ظلام الليل إلى نهار وفعلا

 نجحت خطة الجندي البطل فلم يمضي إلا لحظات حتى حلقت طائرات الهليكوبتر فوق المكان و بدأت تظهر المدرعات على الأرض لتدخل  على الفور في قتال شرس مع هؤلاء القتلة المجرمين و قد أخذوا على انفسهم عهدا أن يثأروا لزملائهم الذين آخذوه على غره واستشهدوا في سبيل الواجب والوطن ليتساقط المستوطنين الجدد  مثل الذباب الواحد تلو الأخر وظل الأبطال  في المعركة حتى تم القضاء عليهم جميعا وفوق الربوة  وقف مازن وقد احتضن الشيخ  و الرجل العربي مراقبا زملاءه على الأرض وما يقوموا به من عمل بطولي عظيم   متذكرا تلك الكلمات التي قالها له الشيخ ليدرك في تلك اللحظات معنها ومغزاها فحقا فان داخل كل كل عربي و كل فلسطيني  مهما كان مكانه أو مكانته جزء من تاريخه و حضارته ،ليمسك الأربعة كل منهم بيد الأخر لترتفع أضواتهم الله اكبر الله اكبر تحيا فلسطين تحيا فلسطين تحيا فلسطين……

https://palfcul.org/?p=14043 رابط مختصر 

Font Resize