رانية فهد
متشوقة لتلك القراءات بل لإجابة طلبتي عن ذلك السؤال: هل تؤدي حصة التعبير دورها في رفد السّاحة بأدباء وكتّاب من الأجيال الشّابة؟ سؤال يأخذني غير مختارة ويلقي بي في ثنايا ذلك الشغف… حيث القلم والقرطاس، حيث البوح بسرّ اللحظات التي تدهمني فجأة، أمتشق اليراعة وأجري بها على صحيفة الشّوق في دفاتر الشغف، كنت أنتظر اللحظة لأفي بوعدي وأروي شوقي، وأشبع شهوة الكتابة، ورسم نفسي التي تتزين بلحظات التجلّي، أخطّ وأنظر في خطوطه كأنّني مهندسة عمارة، أمحو بعضاًوأصلح بعضاً، وأثبت بعضا، ولكنّي لا أمحو نفسي، في تلك اللحظة وكما اعتدت القول، أردفت قائلة: كم كنت توّاقة لانتهاء وقت الامتحان لأشرع في غوص عميق، بين سطور طلابي، وأتذوق من فيض أقلامهم ما هو أشهى من الشهد… لِم لا يكون شوقاً وذوقاًوشهداً وأشياء أُخر وحصّة التعبير هي الحصاد الفكريّ الجمّ لمهارات لغتنا من نحو وصرف ومحسنات بديعيّة وصور جمالية، نخوض غمارها من الألف إلى الياء، ونطلق عنانها نحو السماء، ونسبر غورها في بطون الصحراء.
هناك فكر ثاقب عملنا على صقله بالمران والتدريب، والغذاء العقلي الذي نستمدّه من ذلك العالم الذي نعيشه واقعاً ، أو نذهب إليه في مثاليّة التغيير، إنّها رحلة الصيّاد متسلّحا بالشِّباك، لا يدري ما يقع فيها في مجاهيل البحر أو البرّ أو السّماء… ذلك أنّنا في عالم نصنع فيه فكراً قويّاً عصياً قبل أن يصنعنا… وبعيد الفكر يأتي السحر الحلال… سحر كلماتنا مضمّخة بعبق ثقافتنا… وهنا يأتي حافز آخر في لبنات الإبداع ، منبعه داخليّ، منبعه ثقافة الاختلاف، وقبول الاختلاف، وصنع الاختلاف والتميّز دون تناقض مع الذّات، ذلك لنصنع فسيفساء بديعة مبهجة… كلّ هذه أمور تجعل منك نجمة ساطعة …نجمة لا تأفل شمسها، ويخلد سطوعها… تبدّد ظلمة، وتنقّي النفس من أدرانها… وتمنح تربة البذار الطيبة والغراس الغضة فرصة النمو في تربتها الخصبة…تلك فلسفتي كوني معلماًً و قائداً يعمل جاهداً على اكتشاف مواهب طلبته ومتابعتها واستثمارها، ليكونوا ذلك الإناء الزّاخر بالفكر والثّقافة والإبداع والإرتقاء بثقافتنا… أجل ، هكذا كانت رحلتنا في هذا العام رحلة ممتعة أبطالها طلبتي الأحباء في الصف الحادي عشر … ولا أجانب الصّواب إن قلت: إن الأمر لم يكن هيّنا في بدء الأمر وفي ظلّ عصر لغة الغرب هي لغة العلم … ما كان لي وما ينبغي لي إلا أن أخوض غمار تلك التجربة في ظلّ هذه الفلسفة.
فكان همّي إخراج ما هو كامن في أعماقهم وتنمية دافعيتهم للتعبير والكتابة بقولي لهم : لم آت لأعطيكم شيئاً جديداً، بل أتيت لأدلكم على جمال ما في دواخلكم، وما لم تتعرّفوا إليه وسط الزحام … وتذكروا أنّ الأمر الصعب هو الشيء الذي ما اعتدناه، وأفضل الأفكار ستفشل إذا لم تنل حظها من التطبيق … ومن هنا كانت رحلتنا الكتابية … فكانت تلك المحاولات الجادة بل تلك القصص من جميع طلبة الصف… ولضمان نجاحي في تلك الرحلة سألتهم في الاختبار النهائي التحدث بلمحة عن موجزة عن مشروع قصصهم، فذهلت بما خطته أقلامهم الفتية…. عندها عاودني ذلك الصوت الخفي الملحاح ليجيب عن حيرتي ويقول لي …. لا تستغربي فطلبة فلسطين هم تلك النبتة الصغيرة التي نرعاها لتكبر وتصبح فكراً مستنيراً في وطننا الحبيب …. فشكراً جزيلاً لأقلامكم الفتية … شكراً جزيلاً لطالبي الرّائع الفحل محمد الخطيب الذي دوّن في ومضته كلمات وكلمات كانت الدافع الأساسي لتلك الدفقات.
المصدر: الحياة الجديدة
رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=4715