نبيل السهلي
تعتبر الأغاني التراثية الفلسطينية مثل يا ظريف الطول، داخل فلسطين التاريخية وفي أماكن لجوء الفلسطينيين المختلفة، من ركائز الهوية الوطنية الفلسطينية وتمسك الشعب الفلسطيني بوطنه وهويته الوطنية. وقد ارتبطت الأغنية الشعبية ارتباطاً وثيقاً وجدلياً بالآلات الموسيقية الشعبية، القديمة والضاربة في عمق التاريخ الفلسطيني؛ يستخدمها الفلسطينيون أينما حلوا وارتحلوا؛ فرادى وزرافات على وقع الدبكات المتعددة، بالتزامن مع أغنيات شعبية في المناسبات والأعراس؛ وتؤكد بمجملها على وحدة والشعب والتشبث بالوطن.
ومن أهم الآلات الموسيقية الفلسطينية اليرغول، حيث يسمى العازف بالشاعر الشعبي أيضا. وبعد إلقاء الضوء على هذه الآلة المحببة على سمع وقلوب الفلسطينيين؛ سنستحضر سيرا مبسطة لأربعة رموز من عازفي اليرغول؛ وهم: الراحل خالد سليمان طحيمر رحمه الله، وأشرف أبو الليل، وخالد مقاري، وهاشم السويطي، أمدّ الله في أعمارهم ورعاهم.
آلة اليرغول
على الرغم من تعدد وتطور الآلات الموسيقية المستخدمة في فلسطين وغيرها من الدول العربية والعالم، لكن اليرغول الفلسطيني بقي الحاضر الأكبر في جل المناسبات الوطنية والأعراس. وهو من آلات النفخ الموسيقية، ويعتبر من أقدم الآلات التي عرفها التاريخ الفلسطيني؛ نظراً لبساطتها وسهولة استخدامها. ويقال إن الطبيعة هي أول من اكتشفتها، حيث إن هبوب الرياح كان يساعد على إصدار أصوات معينة في أي قطعة غاب مجوفة.
وبالتوصيف؛ فإن اليرغول هو نايٌ ذو أنبوبتين يُصنع من عيدان البوص أو القصب المجوفة، وهاتان الأنبوبتان متوازيتان ومقرونتان الواحدة منهما بالأخرى بخيوط متينة تُلَفُّ على القصبتين من الأسفل والأعلى. ولليرغول عُصَيَّة من البوص تُدخل في الطرف السفليّ لإحدى الأنبوبتين المثقوبتين. وتساعد هذه الأنبوبة على الرّدّ على اليرغول واستمرار اللحن دون انقطاع، وكذلك تعطيه نغمة خاصة.
وعلى أنغام اليرغول تغنى الميجانا وظريف الطول ودلعونا وجفرا، ليصبح أحد رموز إرث فلسطين وشعبها؛ الذي يشتمّ من صوت اليرغول رائحة عبق الوطن فلسطين؛ بحرها وساحلها وجبالها الشامخة الراسخة كما أصحاب الوطن الفلسطيني الحقيقيين. وقد سطع نجم العديد من الفلسطينيين في داخل فلسطين التاريخية ومخيمات اللجوء؛ في مجال العزف في آلات النفخ، وخاصة اليرغول، والذي يتطلب استخدامه من العازف قدرة على مواصلة النفخ مدة طويلة دون انقطاع، لمواكبة الدبكة والأغاني الشعبية الفلسطينية.
ثلة من عازفي اليرغول
نستحضر هنا سِير بعض رموز من عازفي اليرغول الفلسطيني؛ من الداخل الفلسطيني ومن الضفة الغربية وكذلك مخيمات اللجوء في سوريا.
ويعتبر خالد سليمان طحيمر (1897-1995) من أقدم عازفي اليرغول والشعر الشعبي الفلسطيني؛ حيث عاش نحو مائة عام؛ وهو يغني ويلاعب القصب بين أصابعه عازفا وشاعراً. وتعود أصوله (كما أشار الكاتب رائد الوحش في مقالة نشرها في صحيفة العربي الجديد بتاريخ 19 أيلول/ سبتمبر 2014) إلى “عرب المواسي”، تلك القبيلة التي تعرّضت لمجزرة من قبل العصابات الصهيونية، في الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، حيث ذهب ضحيتها 15 رجلاً من قرية صغيرة للغاية، هي “الوعرة السودا”.
الراحل خالد طحيمر
ويؤكد الكاتب رائد الوحش، وهو من نفس عشيرة طحيمر رحمه الله، أن خالد طحيمر الطبقة الأولى، حاله، في المقارنة، حال امرؤ القيس الذي يذكر كبداية للشعر الجاهلي. وفعلاً، فإن لطحيمر ذلك الحضور في مجاله، حيث لا نعرف له آباءً بمقدار ما نعرف أبناءه الذين يدينون بفضله حتى يومنا، كحال العازف أشرف أبو الليل.”
وكان الراحل طحيمر يحيي الإعراس في مخيمات سوريا على وقع الدبكة والأغاني الشعبية الفلسطينية جنباً الى جنب مع عزفه على اليرغول، لتبقى فلسطين حاضرة رغم مرارة اللجوء القسري.
ومن جهته، يعتبر أشرف أبو الليل من أهم عازفي اليرغول والشعر الشعبي؛ من جيل الشباب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني وعلى امتداد فلسطين التاريخية. ويحيي الأعراس ويشدو لفلسطين الأرض والوطن والشعب في كافة المناسبات الوطنية، وله متابعون كثر وبالآلاف على أكثر من قناة في وسائل التواصل الاجتماعي.
أشرف أبو الليل
وأشرف أبو الليل من مواليد 1975 قرية عين ماهل في قضاء مدينة الناصرة، شمال فلسطين المحتلة.
ومن القامات والرموز في العزف على اليرغول الفلسطيني وغيرها من آلات النفخ الفنية، العازف خالد مقاري، وهو من مواليد مخيم اليرموك عام 1962، وكان حتى عام 2012 يقطن جنوب مخيم اليرموك في حارة المغاربة، وينحدر من قرية معذر قضاء مدينة طبريا.
خالد مقاري
وشارك خالد مقاري في عزف شارات العديد من المسلسلات السورية والفلسطينية، ناهيك عن انضمامه لعدة فرق شعبية فلسطينية، وأحيا مع فرق شعبية فلسطينية مناسبات فلسطينية. ويستحضر العزف على اليرغول، حسب ما قاله مقاري في أكثر من مقابلة، “جغرافيا فلسطين بوديانها وجبالها واسجارها وسهولها وأنهارها”.
وبدوره، يعتبر هاشم السويطي عازفاً بارعاً على اليرغول الفلسطيني. وهو من مدينة جنين وعمره 51 عاماً.
والسويطي ليس شاعراً عازفا فحسب، بل هو عاشق لآلة اليرغول بشكل لافت، ومن صغره انغمس باحثا في أسرار صنعها وطريقة العزف عليها، لتصبح رفيقة دربه ومصدر عمله ورزقه لأكثر من ثلاثين سنة.
هاشم السويطي
وفي منزل عائلته بمدينة جنين شمال الضفة الغربية كانت بداياته، فوالده وجده عازفان، ومنهما ورث شقيقه الأكبر عاطف العزف وذاع صيته وفاق أقرانه. وكان السويطي ابن 13 عاما حينها، يسترق بأذنه الموسيقية السمع لعزف اليرغول، وأحيانا يأخذ يرغول شقيقه ويعزف عليه خفية. وكل ذلك أوجد أرضية خصبة لهاشم للإقدام وبقوة على تعلم اليرغول حتى وإن تكبد مشاق ذلك وحده.ويقيم السويطي الحفلات في ديوانه إضافة الى إحيائه الحفلات الفنية على وقع عزفه على اليرغول والدبكة والأغاني الشعبية الفلسطينية. والثابت أن هناك عددا كبيرا من عازفي اليرغول والشعر الشعبي الفلسطيني في داخل فلسطين التاريخية والمهاجر القريبة والبعيدة، وهدفهم الجمعي الحفاظ على سيرورة وصيرورة الهوية الوطنية الفلسطينية، في مواجهة محاولة طمسها وتغييبها من قبل المحتل الإسرائيلي.
والعزف على اليرغول مع الدبكة والمجيانا والدلعونا، كما يشير العازف والشاعر الشعبي خالد مقاري على الدوام، “عبارة عن بندقية فنية ومقاومة بالغناء”.
وفي الختام حاولت استحضار سيرة الشاعر الشعبي أبو فواز أبو ماضي من بلدة الطنطورة قضاء حيفا، والعازف الأكثر شهرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق الذي كان يحيي جميع الأفراح والحفلات التي كانت تقام دون أن يأخذ أجر مقابل ذلك، إلا أنني لم أجد معلومات كافية عنه، لذلك أوجه دعوتي لمن يمتلك معلومات عنه أن يزودني بها.
المصدر: عربي 21
رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=4731