أحمد علي هلال
ذات حوار سئل الشاعر الراحل محمود درويش لماذا تكتب؟
قال: كي لا أموت.
والسؤال الأكثر دهشة هنا ما علاقة الكتابة بالحياة، ولعل الكتابة ستبدو هنا أكثر من نشيد للحياة تماماً كما الكلمة/ الروح التي تبعث الحياة في جسد الفكرة وتمنحها قواماً ونقول مقابسة فكراً سوياً، لكن الأدباء والمبدعين وعمّال الكلمة الذين يشقون أرض أوراقهم ويبذرون فيها بذور الضوء، هم الأكثر قلقاً واحتفاءً بحياة عابرة ليبنون ظلال حكاياتهم ومروياتهم الأكثر قدرة على الإدهاش، إذ ينتعل الأمل كل السطور ويمشي طليقاً ويتقافز على دروب الحياة مدثراً تلك القلوب العارية إلا من حنينها…
ولعل الكتابة أيضاً شأن من مستهم طيور القلق والانتظار الرجيم لتحلق بقلوبهم وحسب، وتمنحها اكسير الأبدية، كانت عشبة جلجامش أشبه بأيقونة ظلت تتوهج لمن يعثر عليها محاولاً القبض عليها ما استطاع إلى ذلك حلماً.
الكتابة أو الموت..
إذن اكتب لكي تعيش وتتأمل شرطك –أيها الإنسان- بفائض القلق لكنه المقطّر كشهد الروح على حواف النبض، تلك صورتك الأخيرة وأنت تنغرس في أرض الكلام صاعداً إلى نجمتك الأبقى في سماوات اللغة، لتأتيك قوافل الاستعارات مزنرة بأناشيدها، فهل الكتابة هوية ضد النسيان وليس الموت فحسب، وهل هي تذكرة المؤجلين غياباً حتى نستعيدهم صورة صورة، وذاكرة ذاكرة؟، فالكتابة أكثر من خطاب عشق في أزمنة مالحة، تقطّر أحلامها عند صعود الصباحات نهارات كاملة، تلك مآثر أدب اخترق سديم الجهات والمسافات البعيدة، ليتصل الكلام بالكلام عبر ميراث الحكايات التي تظل كما هواجس بصوتها الأعلى، هي الحكايات الشعبية التي تفترع منها الذاكرة مدن الأحلام وتحولات المصائر، ففي الحكايات الشعبية مثلاً والتي دونها أفذاذ من مبدعين عبروا الحدود والجغرافيات الضيقة والأزمنة الرجراجة، يتعالق الواقع بالسحر وتذهب المرئيات على اتساعها لذاكرة ملونة بحثاً عن لؤلؤة ضائعة في الرمال، فيما يذهب الشعراء إلى نارهم القديمة، هم سارقوا النار، لتكتمل الشعلة الأولمبية قدراً ملهماً لمن رأى في الكتابة حياة، واستعادة لطفولاتها التي لا تكبر ولا تشيخ، فهي التي لا تكتمل أبداً لأنها مشروع يواسي نقص الإنسان الضروري.
كاتب وناقد فلسطيني- سوريا
المصدر: صحيفة الوسط
رابط مختصر|| https://palfcul.org/?p=4911