نبيل السهلي
دورٌ كبير ومحوري قام به الفلسطينيون أصحاب الكلمة، وأهل الباع الطويل في الحفاظ على الهوية الفلسطينية أمام محاولات التصفية والطمس الإسرائيلية، ولأنهم كذلك فقد تساووا جميعاً في عيونِ خصومهم مع رواد الخنادق والبنادق من الفدائيين. وقد ساهمت الشرائح الاجتماعية الفلسطينية كافة من عمال وصحافيين وفنانين وشعراء وأدباء وعلماء ومفكّرين ورجال أعمال، عبر نتاجاتهم في صيرورة الهوية الوطنية الفلسطينية والحفاظ عليها؛ وفي هذا السياق نستحضر سيرتين لقامتين شعريتين؛ هما الشاعر الراحل أحمد دحبور رحمه الله والشاعر راسم المدهون.
أحمد دحبور
شاعر فلسطيني من مواليد 21 نيسان/ إبريل 1946 في حيفا، وتوفي في مدينة رام الله في الثامن من إبريل عام 12017؛ نشأ ودرس في مخيم العائدين للاجئين الفلسطينيين في مدينة حمص بعد أن هاجرت عائلته إلى لبنان عام 1948 ثم إلى سوريا. لم يتلق دحبور تعليما أساسيا كافياً، لكنه كان قارئاً نهماً فصقل موهبته الشعرية بقراءة عيون الشعر العربي قديمه وحديثه، وعكست أعماله وعبرت عن التجربة الفلسطينية. عمل مديراً لتحرير مجلة «لوتس» حتى عام 1988 ومديراً عاماً لدائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية وعضو في اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين. حاز جائزة توفيق زياد في الشعر عام 1998. كتب العديد من أشعار فرقة أغاني العاشقين. وصفه الشاعر غسان زقطان بأنه «من أهم مؤسسي المشهد الفلسطيني في مجال الشعر الحديث». يقول دحبور عن حياته المبكرة: «لم يشعل لي أهلي شمعتين احتفالا بعيد ميلادي، وإنما حملوني وهربوا بي لاجئين من حيفا إلى المجهول، وكان المجهول آنذاك في البداية لبنان، ثم قرية سورية يسكنها الشركس اسمها عين زاط (عين النسر) قبل أن ننتقل إلى حمص، حيث عشت بقية عمري هناك ما عدا فترة الشباب». عاد دحبور إلى الأراضي الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو.
نشر بواكير قصائده في مجلة «الآداب» اللبنانية.
أصدر مجموعته الشعرية الأولى «الضواري وعيون الأطفال» عام 1964، ثم عام 1971 أصدر مجموعته الثانية «حكاية الولد الفلسطيني» التي أظهرت انحيازه السياسي للثورة الفلسطينية، وجسدت معاناة الفلسطينيين في مخيمات اللجوء. التحق دحبور بالثورة الفلسطينية مبكرا، وعمل صحافيا عسكرياً، وكان يكتب مقالة أدبية أسبوعية بعنوان «عيد الأربعاء» في صحيفة «الحياة». عمل دحبور محررا سياسيا في «وكالة وفا» فرع سوريا، ومحررا أدبيا. وتولى إدارة تحرير مجلة «لوتس» حتى عام 1988، كما عُين مديرا عاما لدائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس تحرير مجلة «بيادر» التي كانت تصدرها الدائرة. عمل دحبور بعد عودته لفلسطين وكيلا لوزارة الثقافة حتى تقاعده عام 2007. ومن أهم أعماله؛ «الضواري وعيون الأطفال» – شعر- حمص 1964، «حكاية الولد الفلسطيني» – شعر- بيروت 1971، «طائر الوحدات» – شعر- بيروت 1973، «بغير هذا جئت» – شعر – بيروت 1977، «اختلاط الليل والنهار»- شعر- بيروت 1979، «واحد وعشرون بحراً»- شعر – بيروت 1981. «شهادة بالأصابع الخمس» – شعر- بيروت 1983، «ديوان أحمد دحبور»- شعر – بيروت 1983. «كسور شعرية» ـ شعر، «هكذا» – شعر دار الآداب بيروت 1990، «هنا، هناك» – شعر- دار الشروق عمان 1997، «جبل الذبيحة» – شعر- 1999.
راسم المدهون
شاعر فلسطيني مواليد 1948 مدينة غزة في فلسطين. صدرت له المجموعات الشعرية التالية: «عصافير من الورد» 1983. «دفتر البحر» 1985. «ما لم تقله الذاكرة» 1989. «حيث الظهيرة في برجها» 2002 «أغنية للذبول» 2018، التي وقعها عوضا عنه وزير الثقافة الفلسطيني الشاعر إيهاب بسيسو. عمل في الصحافة الفلسطينية، والمدهون كاتب دائم في جريدة «الحياة» منذ عام 1989. له عدة مقالات نقدية وأدبية في ملاحق ثقافية وصحف عربية. خرج من غزة وهو في ريعان الشباب حين كان عمره تسعة عشر عاماً… غزة بالنسبة له الذاكرة الحية، مثلما هي الطفولة والقراءات الأولى وبدايات التعرف على العالم وعلى تفاصيل التراجيديا الفلسطينية. الزمن الذي مرَ منذ غادرها يبدو له في كثير من الأحيان واقفا عندها وممتلئا بها وبملايين الصور التي تحمل كل صورة منها تفصيلا يثير في روحه الحنين والأسى معا. وبهذا المعنى تظل غزة أمَا كبرى تحنو على روحه، رغم ما يمرُ بها من آلام لا تزال تحفر عميقا في خلاياه كل يوم وكل لحظة.
هي أيضا أرض البدايات الأولى، الحالمة والرومانسية، التي اقترنت كثيرا بالشعر وببدايات كتابته وببساطة وحتى سذاجة تجاربه الأولى التي احتاجت سنوات طويلة تالية كي تنمو قليلا. ويعتبر المدهون الأم مساحة الروح: هي أم خاصة، بل شديدة الخصوصية، وهي رغم أنها لم تتعلم في المدرسة كانت دوما ملتصقة بمدرسة الحياة وما فيها من آلام بسبب من حياتنا الاستثنائية في كل شيء. لا يحضر أبي في الشعر في صورة مباشرة أو لأقل في ظهور علني، لكنه مع ذلك يتجول بين السطور والكلمات. ويرى المدهون أن الشعر هو الشعر أيا تكن أشكال كتابته، وانحاز لقصيدة النثر، حيث جاء ذلك بعد تجارب أحبها الشاعر مع قصيدة التفعيلة، لتجاوز الأشكال والقوالب المسبقة والمعدَة سلفا إلى حالة أخرى تقوم على ما يشبه من نقطة صفر في الشكل. إبداع تلك الحالة يتأسس في بريَة شاسعة لا يسكنها سوى المخيلة ولا ينمو فيها الا الجموح. ويحب الشاعر من قصائده «أغنية للذبول الجميل». هي لحظة ذبول كبرى يراها تطوقنا جميعا ويتمنى، أتمنى ذبولا جميلا. ويسكن الشاعر الصديق راسم المدهون في محافظة درعا جنوب سوريا وله أعمال شعرية غزيرة، إضافة إلى قراءات نقدية؛ كما كتب في التحليل السياسي في عدد من الصحف العربية، ومنها صحيفة «الحياة» و«المستقبل» و«العربي الجديد».
كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي
رابط مختصر || https://palfcul.org/?p=4564