7 December, 2024

نبذة تاريخية عن المسرح الفلسطيني

المسرح الفلسطيني

البدايات:
رغم عدم تشجيع سلطات الانتداب البريطاني للمسرح الفلسطيني المحلي، وتفضيلها المسرحية المترجمة؛ إلا أن هذا لم يمنع قيام كتّاب مسرحيين فلسطينيين من تقديم عدد لا بأس به من المسرحيات طُبع منها القليل، وقد أنهت دار المعلمين في القدس عامها الدراسي 1932 بمسرحية “هاملت” لشكسبير، وأتقن طلابها جميعاً أدوارهم وخاصةً الطالب الذي قام بدور “جرترود” أم هاملت، حيث كان مكياجه متقناً إلى حد أن الكثيرين ظنوه امرأة.

وقد شهدت مرحلة ما قبل 1948 ازدهار المسرح الفلسطيني فعلياً، وتعددت التجارب وأغنت الحركة المسرحية، وقد ارتبطت الحركة المسرحية في بداياتها في فلسطين بالمدارس التبشيرية التي انتشرت في القدس ويافا وحيفا وبيت لحم. ولعله من الإنصاف القول إن الأندية والجمعيات الناشطة في فلسطين هيّأت الجو لغرس بذور النهضة المسرحية؛ حيث كان التمثيل ضمن برامجها الدورية، ومن هذه الجمعيات “جمعية الشبان المسيحية” في القدس والتي أنشئت عام 1877.

وعرفت مجموعة من الأسماء التي اهتمت بالكتابة للمسرح ما بين عامي 1919 و1949، وعلى رأسهم: جميل حبيب بحري، والأخوة صليبا ونصري وجميل وفريد الجوزي.

 وتأثرت حركة المسرح بكثير من العوامل في تلك الفترة، إضافة إلى المدارس التبشيرية؛ فقد كانت هناك مدارس وطنية أسست كرد على المدارس التبشيرية، واهتمت هذه المدارس بالمسرح؛ حيث قدم معظمها مسرحية واحدة على الأقل في نهاية كل عام دراسي.

 وأي دارس لتاريخ المسرح الفلسطيني لا يستطيع أن ينكر عامل الفرق المصرية والشامية والأجنبية التي زارت فلسطين بين أعوام 1920- 1930، أمثال فرقة جورج أبيض والريحاني وعلي الكسار،  كما قامت عدد من الفرق الأجنبية بتقديم مسرحيات شكسبير وموليير؛ ما دفع بعض الشبان الفلسطينيين إلى تأسيس فرق تمثيلية في العديد من المدن.

وفي تلك الفترة وصل عدد الفرق المسرحية في مدينة القدس وحدها إلى ما يزيد على 30 فرقة، غير أن هذه الفرق كانت ضعيفة المستوى. وأثّرت كذلك الجمعيات والنوادي ومحطة الإذاعة الفلسطينية والصحف والمطابع بشكل أو بآخر على الاهتمام بالمسرح في تلك الفترة.

وقد واجهت المسرحيين الفلسطينيين مجموعة من الصعوبات تمثلت في عدم وجود فتيات للقيام بالأدوار النسائية واستئثار بعض محبي الظهور بالأدوار الرئيسة، خصوصاً إذا كانوا من أبناء العائلات أو ممن يدعم أهاليهم المسرح بشكل أو بآخر، كما ساهمت القوانين الحكومية والرقابة على النصوص في عرقلة الجهود المسرحية.

وقد ذكرنا أن جميل حبيب بحري كان من أهم الكتّاب الذين كتبوا للمسرح قبل عام 1948،  حيث قام بكتابة 12 مسرحية منها:

ـ الوطن المحبوب، 1923، نشرت في القاهرة.

ـ الخائن، مأساة من 3 فصول، 1924.

ـ في سبيل الشرف، مأساة من 5 فصول، 1926.

ـ سجين القصر، مأساة من 5 فصول، 1927.

وقد عرف المسرح الفلسطيني أيام الانتداب المسرحيات السياسية، ولكن في وقت متأخر،  وذلك بسبب صرامة الرقابة البريطانية التي كانت توجّه أقسى معاملاتها ضد المسرحيات السياسية المطبوعة، غير أن هذا لم يحُل دون أن تلعب المسرحية السياسية دورها المهم، ففجرت أحزان الناس ونبهتهم إلى مآسيهم.

 وخرجت في فترة ما بين الحربين مسرحيات تحارب الصهيونية وتحض على عدم بيع الأراضي لليهود، وصرف بعض الكتّاب همّه الأول للكتابة المسرحية الموجهة ضد النفوذ الأجنبي وتدخله في شؤون العرب الداخلية.

المسرح الفلسطيني بعد 1948:

لم يكد المسرح الفلسطيني يبدأ أولى خطواته حتى فوجئ بصدمة استلاب فلسطين، وعلى هذا تشتت شمل فناني المسرح الفلسطيني، وهاجر معظمهم إلى الأردن، حيث بدأوا نشاطاً مسرحياً فلسطينياً هناك. أما من آثر منهم البقاء في فلسطين؛ فقد سكتوا لمدة من الزمن، ثم عاودوا نشاطهم مؤيدين بكثير من العناصر اليهودية التي تهوى تمثيل المسرح العربي، والتي قدِمت أصلاً من بلاد عربية مثل العراق ومصر، وعلى هذا تكوّن مسرح عربي من سماته الأبرز تعاون مسرحيين عرب وفنانين يهود ينطقون العربية. كان من بين هؤلاء اليهود “متاحو إسماعيلي” الذي اكتسب خبرة مسرحية طيبة في مصر؛ فجمع حوله عناصر مسرحية كوّن بها فرقة أخرجت للناس مسرحية “تعويذة الهند”، وهي باللغة العربية عن حياة المهاجرين الشرقيين إلى إسرائيل.

وتطلع اليهود القادمون من العراق إلى المشاركة في النشاط المسرحي الذي بدأه أخوان لهم من مصر، فقدموا مسرحيات عربية كثيرة، بدأوها بمسرحية أحمد شوقي “مجنون ليلى” في أكتوبر 1956، وقد لقيت المسرحية نجاحاً كبيراً.

 ومن الفرق التي انتشرت في فلسطين بين عام 1948 وعام 1967 كانت فرقة “بلالين”، وفرقة “دبابيس”، وفرقة “المسرح الشعبي”، وفرقة “المسرح الحديث”،  وفرقة  “كشكول”، وفرقة “المسرح الحي”، وفرقة  “المسرح الفلسطيني”. وكان من الأسماء البارزة التي نشطت لإعادة الحياة إلى المسرح الفلسطيني: صبحي الداموني، وأديب جهشان، الذي كان أبرز أعضاء “المسرح الناهض في حيفا”، كما برز كذلك اسم نصر الجوزي ككاتب، ومن مسرحياته:
ـ العدل أساس الملك 1956.

ـ الدنيا أم 1956.

ـ فؤاد وليلى.

ـ الحق يعلو.

ـ شبح الأحرار.

ـ ذكاء القاضي، وهي للأطفال.

ـ صور من الماضي، وهي للأطفال كذلك.

ـ تراث الآباء، وكانت هذه المسرحية ضد بيع الأراضي في فلسطين لليهود.

وكتب كذلك برهان الدين عبوشي مسرحية “وطن الشهيد”، وكتب محمد حسن علاء الدين مسرحية شعرية في أربعة فصول عن حياة وموت الشاعر “امرؤ القيس”، وكتب في الاتجاه نفسه محي الدين الحاج عيسى الصفدي مسرحية “كليب” وهي شعرية من خمسة فصول.

العوامل التي أثرت في مرحلة 1948- 1967:

النكبة:
حيث عرقلت النكبة صعود نجم المسرح الفلسطيني، لكنها من جانب آخر راحت تغذي الذات  الفلسطينية  وتثير الإبداع،  فقد احتل موضوع النكبة معظم الكتابات المسرحية.

ساهم انتشار التعليم والمدارس أيضاً في دفع المسرح إلى الأمام، حيث التعليم يخدم الوعي المسرحي، وساهم التعليم العالي كذلك في موضوع المسرح، وكذلك الفرق الفلسطينية  والمهرجانات الصيفية ووسائل الإعلام، كل ذلك خلق روح جديدة للمسرح في فلسطين.

من جانب آخر واجهت الحركة المسرحية مجموعة من الصعوبات، مثل: قوانين الاحتلال وأوامره الرقابية التي حدّت كثيراً من انطلاق المسرحيين الفلسطينيين، وتأثرت الحركة المسرحية كذلك بعامل عدم وجود هيئة مسؤولة تنظم علاقات المسرحيين وتدعمهم، وشكلت ندرة النصوص المسرحية عاملاً هاماً أعاق المسرح الفلسطيني عن النهوض، كما بقيت المشكلة الاجتماعية التي تمثلت في عدم وجود فتيات يقمن بالأدوار النسائية، وهذه المشكلة عانى منها المسرح في فلسطين طويلاً.

ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية  خطا المسرح الفلسطيني خطوة أخرى، حيث تطلع الثوار إلى إعادة النشاطات الثقافية والفنية التي أُهدرت طوال سنوات النكبة، فقامت، وبمبادرة من حركة التحرير الوطني الفلسطيني “جمعية المسرح العربي الفلسطيني” عام 1966، وحددت لنفسها أهدافاً واضحة هي:

ـ التوعية بالقضية الفلسطينية.

ـ عرض تجارب الثورة الفلسطينية  النضالية على المسرح.

ـ إحياء التراث الثقافي الفلسطيني.

ولبلوغ هذه الأهداف تكونت فرقة للتمثيل المسرحي، زارت عواصم البلاد العربية، وقدمت عروضها على مسارحها، كما اتجهت الجمعية كذلك إلى ضم شتات الموسيقيين في فرقة قدمت حفلاتها على مسارح دمشق، تخللتها أغانٍ فلسطينية وأناشيد ثورية وعروض أزياء شعبية فلسطينية.

كما أسهمت جمعية المسرح العربي الفلسطيني في تكوين نواة لفرقة فنون شعبية من أجل إحياء التراث الشعبي وحمايته من الضياع، وقد تبنت حركة “فتح” هذه الفرقة.

وقد قدمت الجمعية مسرحياتها على مسارح كثيرة في العواصم العربية:

ـ “شعب لن يموت” تأليف فتى الثورة وإخراج صبري سندس.

ـ “الطريق” تأليف وإخراج نصر الدين شمّا.

ـ “حفلة من أجل 5 حزيران” تأليف سعد الله ونّوس، وإخراج علاء الدين كوكش.

المسرح الفلسطيني بعد 1967:

بعد عام 1967، أطلّ جيل جديد من الكتّاب أخذ يقدم بنجاح مجموعة من الأعمال المسرحية في الضفة الغربية وأماكن أخرى من فلسطين مثل مسرحية “العتمة”.

وقد كتب الشاعر سميح القاسم مسرحية “قرقاش”، وكتب الشاعر معين بسيسو مسرحية “ثورة الزنج” و”شمشون ودليلة”، وكتب سهيل إدريس مسرحية عن فلسطين بعنوان “زهرة من دم”، وكتب هارون هاشم رشيد مسرحية شعرية بعنوان “السؤال”، وكتب المناضل الشهيد غسان كنفاني مسرحية “الباب” و”القبعة والنبي”.

ومن المهم أن نذكر أنه بعد عام 1967 تأسس المسرح الفلسطيني خارج الأرض المحتلة؛ حيث حالت الظروف التاريخية دون ظهور هذا المسرح قبل هذا التاريخ.

تأسس المسرح الوطني الفلسطيني على يد فنانين درسوا المسرح أكاديمياً أمثال حسين عويني، وخليل طافش، ونائلة الأطرش، وحسين الأسمر.

وقدم المسرح في بدايته “محاكمة الرجل الذي لم يحارب”، وقدم حسين الأسمر مسرحية “حلم فلسطيني” من تأليف رشاد أبو شاور، حيث يقوم مضمونها على فضح القوى الداخلية والخارجية التي تقف في وجه تحقيق الحلم الفلسطيني في العودة إلى فلسطين.

ومن أواخر عروض المسرح الوطني الفلسطيني مسرحية “مؤسسة الجنون الوطنية”، من تأليف سميح القاسم وإخراج فؤاد الساجر.

كما قدم المسرح الوطني مسرحيات عديدة منها مسرحية “الغريب والسلطان” لرشاد أبو شاور.

كما نشأت في الضفة الغربية مجموعة من المؤسسات التي تعنى بالمسرح، مثل: مسرح الحكواتي، ومسرح القصبة، وفرقة عشتار للفنون المسرحية، ومن الأسماء اللامعة في هذه المسارح كان جورج إبراهيم، وبسام زعمط، ومحمد البكري، وفي داخل فلسطين التاريخية برز كذلك عدة مسرحيين، مثل: راضي شحادة من مسرح السيرة وكذلك سليم ضو، وجمال سلمان. أما في قطاع غزة؛ فقد بدأت منذ الثمانينات مجموعة من المحاولات لخلق حالة مسرحية لكنها كانت جميعها في طور التجريب.

المسرح الفلسطيني بعد 1994:

بعد قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، حدث نشاط ملحوظ في المشهد المسرحي، وهذا النشاط وإن لم يكن يدل على مضمون الأعمال المسرحية المقدمة؛ إلا أنه كان يضع البدايات لمسرح فلسطيني في قطاع غزة، وإن كان المسرح في غزة لم يؤسس على أسس علمية.

وقد أنتجت الفرق المسرحية في غزة مجموعة من المسرحيات، على سبيل المثال مسرحية “العنب الحامض” من إخراج خليل طافش، ومسرحية “السيد بيرفكت” من إخراج حسين الأسمر.

المسرح الوطني الفلسطيني:

يعتبر خليل طافش مؤسس المسرح الوطني الفلسطيني في المهجر، كما أنه أول من دعا إلى تشكيل فرقة قومية عربية تضم فنانين من أنحاء الوطن العربي خلال مؤتمر صحفي أثناء مهرجان المسرح العربي في الرباط عام 1974، هذه الدعوة التي لم يلتفت إليها أحد في حينه، إلى أن جاء الفنان المغربي الطيب الصديقي وأقام هذه الفرقة في أوائل الثمانينات، وقد درس طافش المسرح في القاهرة وتخرج من المعهد العالمي للفنون المسرحية في القاهرة عام 1969، وقد كانت بدايته مع فرقة “فتح المسرحية” منذ عام 1969.

في عام 70 توقف نشاط فرقة “فتح المسرحية” فترة من الوقت إلا أنها استطاعت وبفضل مجهود شبابها أن تعيد نشاطها من جديد، وكان ذلك خلال عام 71، أي بعد سنة من التوقف، وكانت العودة أكثر موضوعية وأكثر فعالية، حيث كانت هناك مجموعة من الشباب الذين يملكون الرغبة والخبرة ولديهم مؤهلات علمية أكاديمية في فن المسرح، وهنا قام خليل طافش بتطوير فرقة “فتح المسرحية” لتصبح فرقة “المسرح الوطني الفلسطيني” كي تكون أكثر شمولية للفلسطينيين، فتم استقطاب عدد أكبر من الفنانين الأكاديميين الفلسطينيين، وقد تم خلال هذه الفترة تقديم عمل مسرحي للشاعر العربي السوري ممدوح عدوان في الجزائر وتونس وفي دمشق ضمن عروض المهرجان المسرحي بسوريا.

وكان الإنتاج المسرحي الأول للمسرح الوطني الفلسطيني مسرحية “محاكمة الرجل الذي لا يحارب” تأليف ممدوح عدوان، وإخراج حسن عويني، وبعدها قدمت الفرقة مسرحية “العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع” تحت عنوان “الكرسي” من تأليف الشاعر معين بسيسو، ومن إخراج خليل طافش، وقد حققت هذه المسرحية شهرة كبيرة وصدى واسعاً ليس في الوطن العربي فحسب، بل في كثير من البلاد الأوروبية أيضاً وذلك عندما مثلت فلسطين في مهرجان المسرح العربي في الرباط سنة 1974، حيث اعتبرت مسرحية  “محاكمة الرجل الذي لا يحارب” للشاعر الفلسطيني ممدوح عدوان، كانت بداية لخلق مسرح فلسطيني بالمعنى الكامل وجاءت بعدها مسرحية “الكرسي” لتكون قفزة للمسرح الفلسطيني بل قفزة للمسرح العربي عامة، وقد قدمت مسرحية “الكرسي” في مهرجان المسرح بالرباط  وحققت أصداء واسعة في العالم وقد وصفت صحيفة الليموند الفرنسية في عددها الصادر21/2/1974، المسرحية بأنها: أهم المسرحيات التي عالجت قضية فلسطين والتي قدمها المخرج خليل طافش، للشاعر معين بسيسو، وقد أشادت الصحيفة بالمسرحية، فقالت في النص جمال شعري، والإخراج في إشارة للمخرج طافش رائع جداً.

المرجع: ويكيبديا/ الموسوعة الحرة

الرابط المختصر|| https://palfcul.org/?p=2629

Font Resize