9 December, 2024

حوار مع الشاعر الفلسطيني أيمن اللبدي المقيم في السعودية

أجرى الحوار : فادي عاصلة – فلسطين

عبرت ُإليك ِيا ربَّةْ
خلال َالقطر ِوالحبّةْ
نبي ٌ طلَّق َالغربةْ
وبعد اليومْ /
لا ترحال َفي الصحراءِ والعجز ِ
فمن بوابة ِالمنفى عبرت ُإليك ْ
من الإحباط ِوالحسرةْ
من اللاشيءَ للثورةْ
جعلت ُالقيد َوالقضبان َفي جسري
ومهما طالت ِالرحلةْ
على الجمر ِأنا قادمْ
برغم المرِّ والعلقمْ
وخطواتي/
ترانيم ٌ من الرب ِّ
ومزماري يد ُالأطفال ُتحملهُ
إن أقضي ْ
مسيح ُالعشق ِوالآلام ِوالثورةْ
من الغيمة ْ
أنا قادم ْ
أنا قادم ْ/
من العتمةْ
على جسدي قوافل ُدَمّْ
ولن ارتد َّبعد َاليوم ِفي الصحراءِ والزمن ِ
لن ارتد َّفي عشقي
ولن ارتد َّفي شوقي
من الغربةْ
أنا قادم ْ……..

هو القادم فينا ، هو القائم فينا ، هو صاحب الكلمات التي تجسد الواقع المآساوي ، هو الشخص الذي لم يتنكر لفلسطين وبقي حاملاً قلمه متنقلاً من دولة إلى دولة ، وفي كل دولة كان يطؤها كان ينثر هناك أريجاً من حنون القدس وعبيراً من زهر طولكرم ، وقليلاً من جرح فلسطين ، هو الشاعر الذي أضنته الغربة ، فصاغ كلماته فناً وغضباً فوق الورق ، هو الصوت الذي ما زال يشدو من المنفى، وهو نبض يبحث في فلسطين عن مرفأ ، وما زال صوته من الغربة أنا قادم … أنا قادم …

ليس غريباً على فلسطين أو على طولكرم التي ولدت الأبطال والمناضلين ، أن تلد شاعراً ومناضلاً مثله ، له ما له من الأثر الذي تسمع دويه في صدرك حين تقرأ كلماته التي تخترق القلوب بانسياب و دون تكلف ، لتثير فيك تلك العاصفة بهدوئه الصارخ وبصرخاته الهادئة …
لم تثنه الأسلاك الشائكة ، والمسافات البعيدة ، وغياهب المنافي عن شرف الكتابة … وبقي أسير حبه لسياج داره وزيتون فلسطين …
من أرض الغربة ومن الجرح الذي ما زال يتسع من ألم المسافات ، وقهر البعد ، وثورة الرجوع ، كان يحدق بعينين واثقتين ، وكان لنا شرف الحوار معه ، مع عميد شعراء المهجر الفلسطيني الشاب ، وفارس طولكرم الأصيل الشاعر أيمن اللبدي …
أخي أيمن بداية تحية طيبة إليك حيث أنت …

 هل لك أن تعرفنا على أيمن اللبدي كشخص ، وأيمن اللبدي كأديب وشاعر ؟
 البطاقة الشخصية لا تحتوي الكثير باستثناء فلسطينية المولد والعمر الذي جاوز الأربعين عاما بقليل ، درست في جامعة بيرزيت الرائعة وتخرجت منها حاملا بكالوريوس علوم في تخصص الكيمياء الحيوية وعملت في حقول التعليم والصحافة والتسويق ، متزوج ولي أربع كريمات ونجل واحد.
أما البطاقة الأدبية فقد بدأت منذ أكثر من نصف هذا العمر الزمني بقليل مع الشعر والمقالة والبحث الأدبي ونتج عن هذه التجربة عدد من المجموعات الشعرية أولها كان ” من وصايا النزف ” في العام 1980 وتلا ذلك هوامش على تغريبة القمر العائد ” في العام 1996وآخرها كان ” انتفاضيات ” في العام 2003 وحاليا أنهي المجموعة الرابعة ” مانفستو لا ” والتي ستطبع قريبا ، كما صدرت عدد من الدراسات والمطالعات النقدية على شكل كتب إليكترونية في مسائل الشعر والأدب ولا زلنا نحاول .

 ما هي انتاجاتك وثروتك الأدبية ؟
 بالإضافة إلى المجموعات السابقة فإن الكتب الإليكترونية والأبحاث تجاوزت أربعة عناوين والتي أصدرها موقع ناشري وبهذه المناسبة أود أن أشيد بتجربة هذا الموقع الناجحة وبالصديقة والأخت حياة الياقوت من الكويت فقد كانت تجربتها رائعة في هذا المجال .
ومن أهمها كان كتاب “الشاعرية والشعرية ” وهو يحمل نظرية نقدية أسعدنا أن نطرحها على الدرس النقدي فيما يتعلق بمراحل تطور الشاعر كإنسان وفنان وما يتعلق بالعملية الشعرية ذاتها بعيدا عن المدارس المختلفة التي ركّزت همها حول النص وأحيانا حول المتلقي وهنا كانت نقطة الإضافة في هذا الجانب فهي تتحدث أساسا عن الشاعر ذاته .
هناك أيضا كتاب ” المرأة والشعر العربي ” وهو يتناول علاقة المرأة بالشعر العربي كموضوع ومتلق ٍ وفاعل وناقد أيضا بالإضافة إلى قضية ” الموسيقى الداخلية في النص الأدبي وأزمة قصيدة النثر العربية ” وكانت هذه المطالعة البحثية على ضوء ما تقوله نظرية الشاعرية آخر هذه الأبحاث .

 بمن تأثر الشاعر أيمن اللبدي ؟
 أحسبكم تقصدون شعراً وفي هذا الجانب كان لفارسي الشعر الرائعين “أبي الطيب المتنبي ” و” حافظ إبراهيم ” وما وقع في يدي من شعرهما باكراً الأثر الكبير في الذائقة الشعرية وفي الموضوع الشعري أيضا ، لاحقا قرأت للكثيرين ومنهم عبد الرحيم محمود وأبي سلمى وإبراهيم طوقان فلسطينيا وبالطبع محمود درويش وسميح القاسم ولغيرهم خارج هذه الدائرة ولكنها كانت قراءات خارج تشكيل التأثر والتأثير فهي بمثابة زاد روحي وشعري أيضاً لكن خارج معادلة التشكيل .

 ما هي أهم المحطات أو المنعطفات التي تعتقد أنها ساهمت في تشكيل وبلورة هويتك الثقافية ؟
 المنعطفات الرئيسة ثلاثة ، الوطن والوطن والوطن فالوطن الأكبر هو الأرض التي ولدنا لنراها تستلب على مدار الساعة بشتى الطرق ونحرم فيها من الحرية ومن التواصل الإنساني مع أحد أهم مقومات البشر والبشرية ، والوطن الثاني هو الإنسان الحبيب في كل دوائره التي تنشأ معك ومعاناتك في هذا وهي قطعا المشتركة طالما كان وطنك الأكبر والدائرة الأولى تحت الخطر ، أما الوطن الثالث فهو اللغة الخاصة بك وكيف ترى دورك في الرؤيا العامة للحياة وعلاقاتها بهذين الوطنين السالفين .
ربما هناك ترجمة خطية مباشرة تتيح لي القول أن حياة الاغتراب كانت مباشرة التأثير كما حياة المعاناة قبل ذلك وهي ذاتها مراحل اكتشافك طريقتك في الإجابة على السؤال الخاص جداً ما العمل وما دوري فيه .

 ما هو رأيك بالجمهور الفلسطيني ؟ وما هو تقييمك للساحةالأدبية في فلسطين ؟
 الجمهور الأدبي الفلسطيني –وهو المتلقي الواسع -جمهور اعتاد على أن يكون فاعلا ونشطا في العلاقة مع النص الأدبي بشتى أصنافه وألوانه وهو واعٍ ومثقّف على درجة مميزة في هذا الجانب وخاصة الشرائح الفتية منه والشرائح المناضلة في الساحة الطلاب وأهم أكثر هذا الجمهور إلتصاقا بالفعل الأدبي والمناضل منه تحديداً.

ربما لن أستطيع أن أجري تقييما دقيقا للساحة الأدبية في فلسطين بشكل عام نظراً لفترة الانقطاع الطويلة والتي جاوزت أكثر من خمسة عشر عاما ولكن فيما قيّض لي أن أقف عليه من معلومات ومن تواصل محدود عبر الشبكة الإليكترونية وعبر بعض الأصدقاء أجد وللأسف بعض المؤشرات السلبية التي تراكمت طيلة تجربة أسلو وأفرزت عددا من دكاكين الثقافة والأدب الرسمية في يسار الخط الأخضر شرقا باتجاه النهر وهو وضع مؤسف حقا ، بينما في يمينه وباتجاه البحر هناك حالة انتعاش وحيوية في عدد من المواقع والمشاهد وتصلنا أخبار مطبوعات ثقافية جديدة على سبيل المثال “مجلة مشارف ” ونشاطات ثقافية وفنية وأدبية رائعة نراها في جملة من الفعاليات وحتى الأصدقاء الرائعين مثل الصديق د.فاروق مواسي والشاعر محمود مرعي والشعراء تركي عامر وريتا عودة و نعيمة عماشة وغيرهم ممن تصل لنا أخبارهم وإنتاجهم أيضا وأهم ما يميزهم جميعا روح المواظبة والمحبة بينهم .

 في ظل الخراب الذي يعم العالم هل ما زالت القصيدة تحقق الحضور المطلوب لها ؟
 المؤكد أنه هذا هو زمنها وهذا هو دورها الفاعل للسبب الذي قدمته ، كلما كبر التحدي المادي وازدادت المحبطات المادية وعم الخراب كانت الحاجة إلى القصيدة وإلى الفن عموما أكثر وأشد إلحاحا لأنها ببساطة مندوب العنصر الروحي والعلاج الشافي في ظل هذا الدمار الكبير إنسانيا ، أما مسألة الحضور والتفاعل فهذا جانب آخر يتعلق أساساً بدور الناقل لها أي وسائل الإعلام التي قد تقصّر في هذا الدور وبالتأكيد هناك جملة من العوامل لا تعفي المبدعين ولا النقاد من مسؤولية عدم تحقيق هذا الحضور بين الجمهور ، فالدواء موجود لكن هل يقوم الطبيب والصيدلاني بدوريهما على أتم وجه أم يقصران فيه ؟ هذا هو السؤال ..

 خلال عمرك الأدبي ، وطيلة ستة وعشرين عاماً وأنت حامل القلم تكتب الدراسات والقصائد والمقالة ، لأين وصل أيمن اللبدي ، وما دور المثقف اليوم ، وهل تختلف نظرة ودور المثقف في بداية حياتك الأدبية عنه الآن ؟
 التجربة لا زالت في خضم الفعل وبالتالي من المبكر الخلوص إلى نتيجة ما جوابا على سؤال إلى أين وصل لأن محطة الوصول تكون منطقيا بعد توقّف العجلة عن الدوران إما نهائيا وإما لتغير الاتجاه مثلا ولكن من الممكن القول أن ما قطعناه يرحّب بما تبقى في هذا الاتجاه .
مسألة دور المثقف لم تختلف ولا زالت على ذات الرؤيا بما هو دوره في عالم الخراب البشري المادي وفي الجانب الأكثر خصوصية بما هو دوره في التزامه بقضاياه الرئيسة ودوائره الثلاث إن كنت تذكر الوطن فالوطن فالوطن ، لا شيء تغيّر في هذه ولذا فإن الدور باق على ما هو عليه منذ انطلق القطار .

 أنت ممن احترفوا النشر الالكتروني من خلال المواقع الالكترونية ، هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة؟
 بدأت التجربة قبل حوالي خمس سنوات عبر إنشاء مجموعة اليكترونية على موقع ياهو وبالاستفادة من هذه الخدمة أمكن تجميع عدد من الأصدقاء من الشعراء والأدباء والكتاب وتبادل الحوار وإنشاء محطة حراك ثقافي في ذلك الوقت الذي كانت فيه العناوين العربية على الشبكة محدودة ومعدودة.
بعد ذلك نشأ تعاون مع موقع ” أين ” وكانت هناك فكرة لإنشاء صفحة للمواهب الأدبية في ذات الموقع ثم تطورت الفكرة إلى إنشاء عدد من المواقع والمنتديات العربية التي قام بها عدد من الأصدقاء انطلاقا من تجربة مجموعة الشعر العربي الأولى في ياهو ومنهم الشاعر والصديق سمير العمري الذي أنشا رابطة ومندى الواحة والشاعر سامر سكيك الذي أنشأ تاليا موقع مجلة اقلام وكذلك السيدة سوسن البرغوتي التي أنشأت موقع مبدعون عرب والإعلامية الأديبة بريهان قمق وقد أنشأت مجموعة خاصة بها وعدد كبير من الأصدقاء أقام له موقعا خاصا به لشعره وأدبه على الشبكة .
تعاونا مع عدد من المواقع العربية الفتية خلال هذه الفترة ومنها مجلة أنهار الكويتية وكذلك موقع ناشري وموقع التجديد العربي الذي أقامه الصديق د.يوسف مكي من السعودية وموقع فلسطين للصديق عادل سالم وموقع صحيفة دنيا الوطن للصديق عبدالله عيسى ولاحقا موقع صحيفة الحقائق التي نشرف على التحرير الثقافي فيها اليوم وفي الحقيقة بالاضافة إلى موقعي الشخصي فهناك عشرات المواقع التي تنشر لنا حاليا وخاصة في المهجر في أوروبا وأستراليا والأمريكتين .

 ما هو دور الشاعر في هذا الزمن ؟ وهل ما زال يلعب الشاعر فوق أرض تأثير صلبة ؟
 الشاعر الحقيقي دوره واحد في كل مكان وكل زمان وكل ثقافة وأرضه صلبة تماما كلما ارتقى في خياله وفنه وأدواته وازداد ثباتا على موقفه ورؤيته ومبدأه وأقام على التزامه نحو هذه جميعا .

مدعو الشعر ومزوّرو الشعر كثر وهؤلاء دورهم هو دور الأعشاب الضارة من حول ساق الشجر المثمر وأرضهم رملية وإن بدت غير ذلك وأوانهم إلى حين مهما طالت عليهم فترة التغوّل والتطفل أيضا .

 أصدرت مؤخراً مجموعة جديدة تحمل عنوان مانفستو لا هل لك أن تحدثنا عنها قليلاً ؟

 المجموعة الجديدة وهي الرابعة قد صدرت إليكترونيا وهي تحت التحضير للطباعة ورقيا وهذه المجموعة تضم عددا من القصائد بعضها كان من المفترض أن تصدر في انتفاضيات السابقة ولكن خللاً فنيا منع ذلك كونها قد طبعت في دمشق وقد أثقلنا على اخينا الأكبر وصديقنا الرائع الأديب عدنان كنفاني بمتابعة أمر طباعتها وهي مناسبة لشكره مجددا هنا في هذا المقام ، ولذا فإن هذه القصائد دخلت إلى المجموعة الجديدة مع القصائد التالية لتشكل لوحة واحدة لأن موضوعهما العام كان ولا زال واحدا سواء في شقه الفلسطيني أم شقه العراقي الجديد ، فقصائد المجموعة تتوزع على هذا الجرح العربي الواحد والمشترك .

القصيدة ” مانفستو لا ” والتي تحمل المجموعة اسمها هي بمثابة مانفستو وإعلان تأسيسي فعلا ليس لغرض فني له علاقة بالنص الشعري أو مكونات القصيدة الأدبية والفنية بقدر ما هو على علاقة أصيلة وليس طارئة بالموضوع الملتزم وصرخة باتجاه إعادة التأكيد على التزام الأدب المقاوم ودوره في مواجهة الشر والعدوان والخراب على اختلاف صوره التي ذكرت بعضا منها آنفا ً.

على كل أترك أمر الحديث الآخر عنها إلى الصديق والأخ د.فاروق مواسي الذي يسعدني ويشرفني أن يقوم بالتقديم لها عند طباعتها وقد فعل .

 ” القصيدة الكاريكتور ” والتي برزت من خلال يوميات أبي حسرة والتي شببها الشاعر والكاتب الفلسطيني سليمان نزال بشخصية حنظلة لدى ناجي العلي ،وكانت هناك ردود مختلفة حول هذه الظاهرة ، إلى ماذا تسعى من خلال تجسيد شخصية أبي حسرة ؟؟؟

 حسنا هي كما قلت تماما وعلى النحو الذي أدركه الصديق الرائع سليمان نزال في مقاله عنها مؤخرا والذي نشر في عد من المواقع العربية في دنيا الوطن الغزية والحقائق اللندنية مثلما مجلة فلسطين والتجديد العربي وغيرها ، هي النص الكاريكاتور الذي يريد أن يكون كل واحد فينا في همه العربي والفلسطيني الكبير واليومي أيضا وبأبسط لغة ممكنة وبأبسط شكل فني ممكن يتيح التواصل دون حاجة لمعين ولكن بشرط أن تحمل بعد تشارك الحس والهم ولو إشارة بسيطة إلى ما هو خارج ذلك أي إلى جواب بسيط ماذا بعد ؟

لا يجب أن يكون أبو حسرة الأيوبي فقط حنظلة بل يجب أن ينفتح أمامه الطريق واسعا إلى كيف تترجم رسالته بعد الوعي بها ومشاركته إياها ، في موضوع ردود الفعل كانت طبعا متنوعة وبعضها من رآها منجزا شعريا وأدبيا مميزا يعيد خلق علاقة حقيقية بين الشعر كفن وبين الحياة اليومية للبشر عبر تناول قضاياهم دون الحاجة للدخول في مطولات وملاحم فهي من النوع ما قل ودل واستمر دون ملل هي شخصية يومية بكل المقاييس وليست غريبة عن كل منا .

في هذا النص إن لاحظت تجربة مفتوحة على شكله التركيبي فقد بدأ برباعيات مزدوجة وانقاد إلى رباعيات مفردة وربما يصل إلى ثنائية أو فردية وهناك من ألح ولا زال يطلبها نصَا نثريًا كما كرّر أكثر من مرة الصديق العزيز والكاتب الفلسطيني أخي تيسير مشارقة ، لا أستطيع الحكم متى وإلام ستصل التجربة فهي في بدايتها ولا يمكن استباق الشكل الأخير ، تيسير مرةً استشرف فيها محاولة كتجربة الكولاج لدى الشاعر الفلسطيني الرائع حسين البرغوثي ودافع عنها ، أثبت له ذلك وأشكره وآمل أن نرى لها بعداً خاصًا خالصًا .

هناك طبعا من استمر في النظر إليها وكأنها مخلوق غريب يطالبها بأن تكون معلقة عنترة بن شداد أو سيف المتنبي أو مقامات بديع الزمان الهمداني أو ما يراه هو وما يرغبه كما أراد البعض مثلا من كاريكاتور حنظلة أن يكون لوحة بيكاسو أو فان جوخ أو سواهما على ذات القياس والعلة في المنطق وهذا ليس منطقيا بل يجب أن يتعامل معها كما هي ومن ثم هو حر أن يقبلها أو يرفضها في باب الفن والشعر ولكن من المؤكد أن لها جمهورها ومحبيها .

 نشرت مؤخراً بعض الاحصائيات التي حاولت من خلالها أن تقول أن رواد المواقع الأدبية قد ازدادوا ، فهل تسعى من خلال هذه الاحصائيات أن تعيد بعض الأمل للمثقف ، أم تحاول أن تثبت أن جمود الحركة الثقافية بدأ بالانهيار ؟

 لا هذا ولا ذاك ، فالأمل يجب أن يكون جزءا أصيلا من مكوّّنات المثقف الحقيقي وهو ليس بحاجة لأن يكون معلّقا على تطوّر يومي ما يزداد به أو ينقص بعكسه وإلا فإن من المنطقي الاستنتاج أنه سيأتي زمن ما يصبح فيه الأمل عند هذا المثقف إن كانت معادلته على هذا النحو صفراً ، هذا في الواقع هو أنصع دليل على أنه لم يكن مثقفا حقيقيا ولا أصيلا إن كان على هذه الصفة .

وأما أن الجمود في الحركة الثقافية بدأ بالانهيار كما وصفتم لمجرد أن زوار المواقع الأدبية والثقافية قد ازدادوا عددا كما وصفتم فهذا أيضا غير صالح كأداة قياس لأن الجمود ليس ناشئا تحديداً عن عدم إقبال الجمهور الأدبي على الأدب بل هو ناتج في الأصل عن تلكؤ أدوات التوصيل في القيام بدورها من جهة وعن جملة عوامل تعود على نوعية التكلّس في المثقف على أنواعه عن النهوض بدوره من جهة أخرى .

ودون أن يجري حراك حقيقي في هذين الجانبين سيبقى حال الجمود على ما هو عليه أما عملية نشر المعطيات والإحصاءات التي أشرت إليها فكانت تهدف في الواقع إلى القول شيئا آخر مختلف تماما يقبع في بنية هذه الأرقام إن لاحظتها وهي أن هناك امتداد للتواصل مع موقع شعري على مستوى دول العالم قاطبة ، فهناك زوار وقراء لهذا الموقع من دول تستغرب أن يوجد فيها من يهمه أمر قراءة موقع ثقافي عربي أو شعري والتواصل معه باستمرار بمعنى أوضح هذه كانت هي العلامة الأكثر وضوحا في المعلومات في ذلك إشارة لأهمية الوصول للأداة السليمة والقيام بالتوصيل لأن هناك من ينتظر هذه المادة في مكان ما من العالم دوما .

 ما هو رأيك بالمثقف والشاعر الفلسطيني في الداخل ، وما هو رأيك بالجمهور الفلسطيني في المثلث والنقب والجليل ، وكيف تنظر للواقع الذي يعيشه الفلسطيني هناك ؟

 المثقف والشاعر والأديب الفلسطيني في الداخل له نرفع القبعة كما يقول الفرنسيون أو الإنجليز فهو حقا وبامتياز رائد حقيقي في معادلة الجذور ومعادلة التواصل والإصرار في ذات الوقت الذي هو بقعة مضيئة إنسانيا في جملة الحياة والفكر الحر والخلاق .

تحية كبيرة لهذا الرائد الذي لم يكذب أهله وكان على قدر من المسؤولية التاريخية في أن لا يذوب ولا يتشوّه ويبقى صلداً كالفولاذ في مسألة انتماءاته الرئيسة وفي نفس الوقت يحقق رقما كبيرا وغالياً فيما عجزت عن تحقيقه عشرات الطرق والأدوات الأخرى في جانب صميم فكرة الحياة والإصرار عليها فلسطينيا ، هؤلاء لهم أول نصيب في قصيدة “كنعان يحترف الخلود “.

أما جمهورنا الفلسطيني الحبيب في المثلث والنقب والجليل والداخل الباقي أبدا عربيا فلسطينيا -وبالمناسبة أحب تسمية أهلنا هناك بفلسطينيي الجذور بدلاً عن وصفة عرب 48 الممسوخة والتي لا أحبها -رغم كل ما واجه وسيواجه فإن له الحق بأن يفخر أنه لا زال وسيبقى أحد أهم عناصر الصورة الفلسطينية المشعة والبضة والبهية ورغم كل ما نعلمه ونحسه وينقل لنا عن صعوبات الواقع الذي يعيشه فإنه بالتأكيد ما زال قويا وأمينا على نوع الرسالة التي يمثلها فلسطينيا وعربيا وإنسانيا وله كل التحية .

 رفضت مؤخرا دعوة لحضور تكريم في مؤتمر الشعر الأمريكي في بنسلفانيا هل هو موقف مسبق من المهرجانات والكاميرات أم موقف محدد؟

 حسنا ، رفضي لهذه الدعوة تم توضيحه في رسالتي الجوابية للسيد ستيف ميكائل رئيس لجنة الجائزة وكذا رفضي حتى للمشاركة بتنسيب إحدى القصائد لتقرأ نيابة عني كما حاول ذلك في رسالته التي يأسف لعدم تلبية الدعوة فيها ، تعلم ما جاء في الرسالة الجوابية وهو كافٍ بالنسبة لي ليقول ما أردت قوله بوضوح، طالما الكلمة تستخدم نوعًا من المراهم في لا حاجة لي بدور في مسرحية دهنها .

من جهة أخرى نعم ، بشكل عام لدي موقف مسبق من الكاميرات والمهرجانات الحالية في مسألة الشعر والثقافة وسبق لي أن رفضت دعوات في هكذا مناسبات يعلمها بعض الأصدقاء ، وسأستمر في هذا الموقف لأني أرى أن هناك تزييفًا كبيراً يحدث للثقافة والأدب والفكر وخاصة في عالمنا العربي العتيد ، وهذه التي ذكرتها هي أدوات في هذه العملية لا أكثر ولا أقل ، أعطني محطة واحدة لا تساهم في هذا الدور ، ربما هناك استثناءات محدودة وبهامش بسيط من الخروج عن هذه الأكذوبة الكبرى المسماة (الثقافة وحراكها تلفزيونيًا ومهرجانًا ) ولكن النسبة الغالبة للبرامج الثقافية والمهرجانات العربية في العالم العربي تمامًا كالتنمية العربية تظاهرية حتى النخاع في العمل وموجهة حتى الصميم في الأداء والغرض إلا ما رحم ربك وهو قليل بدليل حالنا الذي تراه .

وأضف إلى ذلك معظم جوائز العرب وحتى جوائز غيرهم في هذا المضمار محكومة لألف سبب وسبب معظمها خارج المادة التي تنظرها لجانها ولعل أوضح جائزة عالمية هي نوبل المعلوم أين تكمن خلطتها السريّة والسحرية إن أردتها !.

على أي حال لم يكن سوق عكاظ مسرحَا للقيان والجواري يتبادل مصطبته تاليًا الشعراء والأدباء ولا كانت دار حكمة المأمون بيتًا لكل صاحب همةٍ ومعرفة ودربة يؤجرها تالًيا المأمون ملاذاً للمشعوذين ولو كانت كذلك لما وصلنا ثقافة ولا وصلنا أدب فهذا وهذا لا يمتزجان تمامًا كالماء والدهن وقس على ذلك.

 كلمة أخيرة تود توجيهها ؟
 كلمة أخيرة موجعة أن نشعر بنهاية تواصل معكم فلتكن كلمة ما قبل الجديد القادم من التواصل ، أنتم رائعون لأنكم ما زلتم هناك على ما أنتم عليه ونحن معكم بما نحمله معا وما نرغب فيه معا أن يبقى ويستمر حتى تكون اللحظة التي تختفي فيها المسافة والزمن بين هنا وهناك ويبقى فيه فقط معاودة الانطلاق لشعب واحد حرمته أدوات العدوان والمكيدة من ممارسة حقه في أن يكمل مسيرته ومشواره الإنساني ، استمروا وسنصل مع المحبة والمودة دوما .

أجرى الحوار : فادي عاصلة – فلسطين
الرابط المختصر|| https://palfcul.org/?p=2845
Font Resize