6 December, 2024

“وطن في خيمة” قصة للكاتب نضال الخليل

قصة “وطن في خيمة” للكاتب نضال خليل، ضمن مشروع “حروف اللجوء” الذي أطلقته مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، بالتعاون مع بيت فلسطين للثقافة، تروي قصة عائلة فلسطينية سورية تهرب من أزيز الرصاص، وجحيم الحرب في سورية، حاملة أطفالها وأحلامها المكسورة عبر دروب التهريب والخوف، تاركة خلفها وطناً يئن، باحثة عن ملاذ آمن في بلاد الغرب، لتبدأ رحلة جديدة وتخوض مغامرة البحث عن وطن جديد على متن زورق مطاطي متهالك.

 

وطن في خيمة

نضال الخليل

لنخرج يا فاطمة.. أزيز الرصاص يقترب.. خذي الأطفال وأمَّ عمر وانتظروني في أول الشارع…

تختفي فاطمة من ساحة البيت وهو يدخل من غرفة إلى أخرى يحاول جمع كل ما يستطيع من أوراق، فيضعُها في كيس ويخرج تاركاً البيت وحيداً في موسيقا الرصاص، يتقاسم الموت مع وجوه الغرباء الملتحفين ثيابهم الخراب. البيت وحيدا بلا أهله يتقاسم حجارته مع غربان الموت بوجوه الغرباء.

كانت فاطمة وأطفالها وأم عمر يجلسون على أرضية سيارة أجرة منتظرين الرجل.. تصرخ فاطمة:

هنا نحن هنا أسرع

يرتمي الرجل إلى قاع السيارة وتنطلق السيارة محملةً بأشخاص يعرفهم ولا يعرفهم، يتكور حول زوجته وأطفاله وأخته مطوقاً ذراعيه محاولاً حمايتهم من شيء ما لا يعرفه..

تصعد السيارة الى طريق طويل شبه فارغ إلا من بقايا سيارات متراميةٍ هنا وهناك محترقة.. السائق كأنه يركب حصانَ الريح، يسابق صوتَ الرصاص والخوف، يصل إلى نهاية الطريق هناك وبعد عدة أمتار يتغير كل شيء.. المدينة مكتظة ورجال ونساء يسيرون على الأرصفة وأصوات باعة متجولين.. ينظر الرجل إلى زوجته وأطفاله ساخراً:كأننا خرجنا من لحد قبر.. انظروا عدة أمتار وترون الحياة طبيعية، أليس هذا مسخرة تتركنا لا نفهم أي شيء.. مسخرة الزمن.. هناك عاد بنا الزمن للهاث الخيل بغزوة بدوية، وهنا نسمع ضجيج زمن تجاوز عام 2012 بأشهر كانت كافية لحياة عادية..

المرأة أم عمر متحدثة إلى الرجل:

أخي اترك كل شيء خلفك وتفقد نقودك وأوراقك فإن تاجر الطريق ينتظر قدومنا.

يتابعون السير على الأقدام كل منهم ممسك بيد طفل كي لا يتوهوا في الطريق، وليتجنبوا أي تجمع عسكري أو حاجز كي لا يتعرضوا للتفتيش والتحقيق وربما للاعتقال.. يعلمون جيدا أن الاعتقال لا يحتاج إلى مبرر أو سبب… إنه يعتمد على مزاج العسكري والخانة المسجلة أو إلى بطاقة الهوية…

يصلون الى حديقة عامة تعج بالنازحين والباعة المتجولون والمخبرون …

الزوجة:

لنجلس هنا فأذان المغرب سيحين وقته… يجلسون على شكل حلْقة يفترشون الأرض.

تخرج أم عمر بقايا طعام محفوظٍ بأكياس بلاستكية، وزجاجة ماء والرجل يبدأ بفتح علب السردين..

هدوء وأكف العائلة مرفوعة للدعاء والمؤذن يؤذن ليتناولوا طعامهم على عجلة للحاق بالحافلة التي ستأخذهم إلى تاجر الطريق.. ومن هناك سيخرجون من كابوس الموت والخوف ويركبون البحر لبلاد الإغريق بحثا عن حياة جديدة…

بعد أكثر من ساعتين وصلوا أخيرا إلى زقاق تجار الطريق.. هناك التقوا بتاجر الطريق يمسك بيده رشاشا صغيرا وجهاز اتصال غريب الشكل

  • التاجر: نقودكم جاهزة؟!
  • الرجل: تفضل المبلغ الذي طلبت.
  • التاجر: اليوم ستصلون إلى إدلب وليلا ستعبرون حاجز الفرج إلى تركيا.

تنهدت العائلة من وهم الكلمات وانتظرت في إحدى الغرفِ المكتظة بالنازحين قدومَ الحافلة…

أكثر من عشر ساعات ولا جديد سوى النومِ والثرثرة التي تملأ الغرفة..

يدخل أحد رجال الطريق أو تاجرها يأمر الجميع بصعود سيارة شحن تقف إلى جانب الطريق.

تعلو أصوات النازحين وهمهماتُ الغضب..

الرجل يرفع البندقية ويطلق عدة أعيرة نارية صارخاً:

  • الكل إلى السيارة والذي سيبقى على الأرض سأعدمه فورا.

تتراكم الأجساد كالخراف في صندوق سيارة الشحن ويرمى عليهم شادر مثقب مثل فتحات تهوية.. وتنطلق السيارة.

ويبدأ الزمن البحث مع النازحين عن مكان للتوقف من صرير الحديد والتعرق والخوف.

ازدادت الساعات والسيارة تعبر طرقاً ترابية ووعرة لأن والسيارة تتراقص وتهتز بهم، كطائر يرقص مذبوحاً من الألم …

تقف السيارة ويسحب الشادر.. يتنفس القابعون في القاع من الاختناق.

رجال تاجر الطريق يتنشرون أحدهم يصرخ:

  • الجميع إلى الأرض بسرعة

الجميع يصطف كما لو أنهم كتيبة عسكرية، ولكن بلا سلاح.. سلاحهم فقط رغبتهم في السفر.

رجال تاجر الطريق يسوقون النازحين إلى هنغار كبير مقسم بقطع قماش، بين كل قطعتين تسكن أكثرُ من عائلة تنتظر الفرج على الحدود لتدخلَ تركيا.

الرجل يجمع عائلته إليه:

  • قليل من الوقت وسنخرج.

وعلى مدار أكثر من خمسة أيام وهم يحاولون كلَّ ليلة التسلل، لكنَّ حرس الحدود يطلقون رصاصهم عليهم ليعودوا إلى قطيع الهنكار.

وفي ليلة مقمرة استطاع الرجل وعائلته التحول الى طيور بشرية، وتسلقوا الجدار وسقطوا في الأرض التركية، وكان التعب واليأس كلّ ما بقي معهم.

-فاطمة لزوجها: رائحة هذه البلاد مشبعة بالهدوء وكأنك تحتسي قهوة..

-الرجل: قهوة؟ آه يا زوجتي يامن يرميني على أرصفة حارتنا… لك هناك تنامين على طيب الوجوه.

تغضب الأخت من كلمات الرجل وتصرخ به:

-ولك يا أخي أي وجوه.. إنهم تحولوا من باعة خضاروجزماتية إلى أمراء حرب.. انسَ تلك المدينة وتعال نخلع الخوف من أرواحنا ونغتسل بماء الملح، لتصبح أجسادنا قاسية جاهزةً لدخول بلاد الإغريق.

الجميع يضحك من طريقة غضب الأخت أم عمر والزوجة تعلق ضاحكة:

والله الرحلة جعلت منك فيلسوفة.

الرجل ينهي المشهد:

أبو عمار تذكرينه؟! إنه هنا وسيأتي لاصطحابنا إلى بيته

تحزم المرأتان الأغراض وأبو عمار جاء بوجهه الباسم ويديه المتشققتين، بدأ يساعدهم في صعود سيارته، ويصغي لهم بأدق التفاصيل لحكاياتهم المتعبة الخائفة الموجعة، وهم يروون ما حدث لهم.

وفي بيته حاول أن يغير مسار رحلتهم، لكن عبثاً فما استطاع، فقد صعِدت العائلة زورق المطاط وبدأت رحلة جديدة.

وأبو عمار عاد إلى بيته مكتفيا بوجع الحكايات.

https://palfcul.org/?p=14559  رابط مختصر

Font Resize